(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((شر الناس من أكل وحده، ومنع رفده، وضرب عبده)) وقد جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينام الرجل في بيت وحده أو يسافر وحده وقال: ((إن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد)) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب)) وروى سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الشيطان يهم بالواحد والاثنين، وإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم)).
(قال الفقيه) رحمه الله: هذا نهي الشفقة وليس نهي التحريم لأن الواحد ربما يستقبله العدو ولو كانوا جماعة فإنهم يتعاونون. وأما إذا كان الرجل يأمن على نفسه فلا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث دحية الكلبي إلى قيصر ملك الروم وحده. ويقال الاجتماع قوة والافتراق هلكة وذكر في قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام حكاية عن السحرة {فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا} فأمره بالاجتماع. وقال بعض أهل التفسير: اتفقوا فتغلبوا ولا تختلفوا فتغلبوا. ويقال: رأي الواحد كالسلك السحيل ورأي الاثنين كخيطين مبرومين ورأي الثلاثة حبال لا تنقطع، وإذا كانت الجماعة في سفر فيكره أن يتناجى اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه. وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث)).
الباب الرابع والتسعون: فيما جاء في ذكر الحفظة
(قال الفقيه) رحمه الله: اختلف العلماء في أمر الحفظة وهم الكرام الكاتبون: قال بعضهم: يكتبون جميع أفعال بني آدم وأقوالهم. وقال بعضهم: لا يكتبون إلا ما فيه أجر أو إثم. وقال بعضهم: يكتبون الجميع فإذا صعدوا السماء حذفوا ما لا أجر فيه ولا إثم وهو معنى قوله تعالى: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت} ما فيه أجر أو إثم. وروى هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} قال: يكتب من قول ابن آدم الخير والشر ولا يكتب ما سوى ذلك. قال هشام: نحو قولك يا غلام اسقني ماء واعلف الدابة. وقال الحسن البصري: يكتب جميع ما يلفظ به وقال ابن جريج: هما ملكان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فالذي عن يمينه يكتب بغير شهادة صاحبه، والذي عن يساره لا يكتب إلا بشهادة من صاحبه، إن قعد فأحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وإن مشى فأحدهما أمامه والآخر خلفه، وإن نام فأحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه. وقال بعضهم: هم أربعة اثنان بالنهار واثنان بالليل. وقال عبد الله بن المبارك: هم خمسة اثنان بالنهار واثنان بالليل، والخامس لا يفارقه ليلا ونهارا. واختلف في الكفار هل يكون عليهم حفظة أم لا؟ قال بعضهم: لا يكون عليهم حفظة لأن أمرهم ظاهر وعملهم واحد قال تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم}.
Page 374