Al-Burhān fī ʿUlūm al-Qurʾān li-l-Imām al-Ḥūfī - Sūrat Yūsuf dirāsa wa-taḥqīqan
البرهان في علوم القرآن للإمام الحوفي - سورة يوسف دارسة وتحقيقا
Genres
أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بهَا الصَّدْرُ (١)
يريد: وضاق بالنفس الصدر، وكنى بها ولم يجر لها ذكر، إن كان في قوله: "إذا حشرَجَت يومًا" دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله: "وضاق بها" ومنه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (٢) فقال: ﴿مِنْ بَعْدِهَا﴾ ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ والله أعلم بما تكذبون (٣)
فيما تصفون به أخاه بنيامين، وذكر أن الصّواع لما وُجد في رحل أخي يوسف تلاوَمَ القوم بينهم، قال السدي: لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم، فقالوا: يا بني يامين، ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصواع؟ فقال ابن يامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منهم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضَع هذا الصواع في رحلي، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصاع فنقرَ فيه، فأدناه من أذنه، ثم قال: إن صواعى هذا ليخبرني أنكم كنتم اثنى عشر رجلا وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم فبعتموه، فلما سمعها ابن يامين، قام فسجد ليوسف، ثم قال: أيها الملك، سل صواعك هذا أخي، أحيٌّ هو؟ فنقره، ثم قال، هو حيٌّ، وسوف تراه، قال: فاصنع بي ما شئت، فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني، قال: فدخل يوسف فبكى، ثم توضَّأ، ثم خرج فقال ابن يامين: أيها الملك إني أريد أن تضرب صُواعك هذا فيخبرك بالحقّ، فسله من الذي سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبان، وهو يقول: كيف تسألني عن صاحبي، وقد رأيتَ مع من كنت؟ قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقُوا، فغضب روبيل، وقال: أيها الملك، والله لتتركنا أو لأصيحنَّ صيحة لا يبقى بمصر امرأةٌ حامل إلا ألقت ما في بطنها! وقامت كل شعرة في جسد رُوبيل، فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابنه: قم إلى جنب روبيل فمسَّه. وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم مسَّه
(١) ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، ط ١، (محمد علي بيضون-١٤١٨ هـ-١٩٩٧ م)، ١/ ٢٠٢. ابن دريد، مرجع سابق، ٢/ ١٠٣٤. الأزهري الهروي، تهذيب اللغة، مرجع سابق، ٩/ ٨٦.
(٢) سورة النحل، الآية: (١١٠).
(٣) ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٨٠ ..
1 / 280