257

Al-burhān fī wujūh al-bayān

البرهان في وجوه البيان

Genres

وأما معاملته الجند فينبغي أن يختار منهم ذوي البطش والقوة، والحيلة والحنكة، ممن قد عرف الحرب وجربها، ومارسها وصلي بها ممن يحسن حمل السلاح ويعمل به، ويضع الإقدام موضعه، والانحياز موضعه، ولا يجمع به الغضب والبسالة إلى التهور في الهلكة، ولا يحمله حب الحياة على الفرار، والرضا بما يورث العار، فإذا ظفر بمن هذه صفته تمسك به، وقدمه على غيره من جنده، وإن ظفر بمن له الجلد والقوة، ولم تكن له الحنكة والتجربة، قارن به ذوي الحنكة وأمره أن يطيعهم، ويتصرف في أمرهم، فإن أمير المؤمنين - عليه السلام - قال: "موقف الشيخ في الحرب أعجب إلي من مشهد الغلام". وإن ظفر بذي الحنكة والتجربة والرأي والمكيدة، وكان عادما للجلد، جعل بين يديه من هذا الصنف من يتدبر بتدبيره، ويتصرف على إرادته، لتجتمع له الحالان من جماعة إن عدمها من واحد. ثم ينبغي له أن يجمل الغرض في سياستهم، أن يجتمع له في صدورهم المحبة والهيبة، وأن يكون بعضهم في موافقة بعض، والتآلف معه كأعضاء الجسم في تآلفهم وتعاونهم، وأن يتفقد من أمورهم ما يعود عليهم بفضله، ويكفون به مئونة أنفسهم، ومن يلزمهم أمره، وأن يزيد ذا البلاء منهم، والطاعة في مرتبته ومنفعته، ليستدام بذلك ما حمد منه، وارتضى من فعله، وينافسه من لا له فيما يرى من الزيادة والمنفعة # فيباريه في إبلائه، ويسابقه إلى رضا سلطانه، ومتى أساء واحد منهم أو قصر تلقاه بالاستيعاب الرقيق، والاستصلاح الجميل من غير اعتبار ألته، ولا كف لغامض عورته، فإنه لا يصلحهم من لا يغضى عن فلتات زللهم، من حيث لا يملي لهم، ويزاد في احتمالهم، فيعود بذلك بتمرنهم على الخطأ، وتجرئتهم على ركوب الهوى، ولا يستفرغ وسعهم حتى لا يكون لهم جمام يمترى به نشاطهم، فيكل بذلك حدهم، ولا يزيد عليهم في ذلك حتى يصير فراغا يدعوهم في ذلك إلى استعمال ما فيتنهم ويفسدهم، وألا يؤخر عنهم أطماعهم في وقت حلولهم ليقطع بذلك عذرهم، ويستقيم به أمرهم، وأن يقبض أيديهم عن ظلم الرعية وأخذ أموالها، والتنزل عليها، والتعرض لأولادها وحرمها، ويعرفهم إنما أقيموا لحماية الناس من مثل هذه الأحوال.

Page 333