229

Al-burhān fī wujūh al-bayān

البرهان في وجوه البيان

Genres

والطمع: هو الوقت الذي يستحق فيه الجاري، والحلية هي وصف الرجل الذي يفصل به بينه وبين غيره ممن يوافق اسمه اسمه، والأصل في أرزاق الجند والمقاتلة المساواة بينهم، وكذلك قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع الديوان عمر، وفضل بعض الناس على بعض ولم يخالفه في ذلك أحد بعده غير أمير المؤمنين - عليه السلام - فإنه رد الأمر إلى ما كان عليه في أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقم في ذلك عليه من خالف عليه، ثم رجع الناس بعد مضيه إلى سنة عمر - رضوان الله عليهما - وكان الجند فيما تقدم يفضلون في الأرزاق وشهورهم واحدة، وكانت استحقاقاتهم تتوافى في وقت واحد، فمتى تأخذ عنهم ما لهم اجتمعت كلمتهم على الطلب، ولقي معاملهم ملأ من الشغب، فلما تقلد شيخنا أبو القاسم عبيد الله بن سليمان رحمه الله [وزارة] المعتضد بالله لطف لتفرقة أرزاقهم، والمخالفة بين أوقات استحقاقاتهم، بأن زاد من أخر رزقه بمقدار الزيادة في الأيام واقتصر، بمن قدم رزقه على ما لا يقصر عن مئونته، فسلم بذلك من شغبهم، وذمهم، وجمع ما صنع ترفيه نفسه وسلطانه، لأن معظم الأموال والأرزاق الوافرة إذا تأخرت إلى أمد بعيد يحمل في مثلها أموال النواحي، ويلحق فيها الغلات درت الأرزاق، وقل الخلاف وتفرقت مع ذلك كلمة الجند باختلاف أوقات أطماعهم، ولم يكن # لمن لم يجب له رزق أن يشغب مع من وجب رزقه، ولا أن يطالب بما لم يستحقه، وإذا تفرقت الكلمة وتشتت الجماعة انكسرت الشوكة، وقلت المئونة، وجعل أقرب الأطماع النوبة، وهي في المشاهرة في كل ثلاثين يوما أرزاق الحشم، وهي في كل أربعين يوما، ثم أرزاق المماليك من الخدم والغلمان الحجرية ومن جرى مجراهم في كل شهر ثم أرزاق المختارين في كل خمسة وسبعين يوما، ثم التسعينية وأرزاقهم في كل تسعين يوما، ثم الأحرار العظم في كل مائة وخمسية أيام، ثم الأحرار الحليين في كل مائة وعشرين يوما، ثم الموسابادية وأصحاب الرقاب في كل مائة وثمانين يوما، يجري الأمر على هذا، وعلى انتخاب الأولياء، واختيارهم ومطالبتهم بالعرض في السلاح التام وعلى الخيل الفرهة ووسمها عليهم لئلا تكون عارية أو كراء، وكتب اسم السلطان [و] ولي عهده على المجان والترسة والامتحان لهم فيما يعالجونه من السلاح، فمن كان في المحنة مرضيا وكانت أداته كاملة، وفرسه فارها وبزته جميلة على مقدار رزقه أمضى أمره إلا حلق على اسمه، ووفر رزقه، فلم يزل الأمر جاريا على # ذلك لا تخالف فيه هذه الأوضاع والسنن إلى أن وقع التخليط، ونضبت الذمامات وأثبت، الجند بالرشى واستعملوا للهوى لا للكفاية والغناء وصاروا يبايعون الأسماء على نقبائهم بيعا ظاهرا مكشوفا، ففسدت طبقات الأولياء، ودخل فيهم من لم يحمل السلاح، ولم يشهد الحروب ساعة قط. وكانت نتيجة هذا الإهمال، وثمرة هذه الأفعال، أن خرج السلطان في جيشه على أحسن زينة، لقتال غلام من غلمانه، فقتل وحده من بين أهل عسكره، وتفرق عنه الباقون، ورجعوا موفورين.

ومن ترك سياسة رعيته وأولائه بما يوجبه الرأي كان يمثل ما جرى عليه جديرا وبه حقيقا.

Page 298