Bunat Islam
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
Genres
يا أيها الناس! إني، والله، ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، ويقضوا بينكم بالحق، ويحكموا بينكم بالعدل، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه.
ووثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيته فأدب بعض رعيته، إنك لتقصه منه؟
قال عمر: إي والذي نفس عمر بيده، إذن لأقصنه منه، وكيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقتص من نفسه؟! ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم.
كان عمر إذا بعث عماله اشترط عليهم: «أن لا تركبوا برذونا، ولا تأكلوا نقيا، ولا تلبسوا رقيقا، ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس، إن فعلتم شيئا من ذلك حلت بكم العقوبة.»
القضاء في عهد عمر
كان عمر أرحم على العدل من الرحمة ذاتها؛ ولذلك جعل إلى جانب عماله قضاة خصهم بالفصل بين الناس بالحق، وكان يرسل إليهم الأوامر التي تعتبر لائحة داخلية للقضاء، بل إنها لخير اللوائح والقوانين، وإليكم مثالا من هذه الأوامر بعث به إلى أبي موسى الأشعري، وهو من نعرف عدلا وحكمة وحسن بلاء في الحروب، قال عمر:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس
سلام عليك، أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا، لا يمنعك قضاء قضيته اليوم، فراجعت فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم! الفهم! فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال، فقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها. واجعل لمن ادعى حقا غائبا حدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته، وإلا استحللت عليه القضية، فإنه أنفى للشك، وأجلى للعمى. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو نسب، فإن الله تولى منكم السرائر، ودرأ بالبينات والأيمان، وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم، والتنكر عند الخصومات، فإن الحق في مواطن الحق يعظم به الله الأجر، أو يحسن به الذكر، فمن صحت نيته وأقبل على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله، فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام.
Unknown page