Bunat Islam
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
Genres
إلى المدينة فرارا من أذى قريش، وإتماما لتحقيق الرسالة ونشرها، وتثبيت دعائمها، وإذا بي أصحو فأجد نفسي على أبواب «المدينة».
داخل أبواب المدينة
نزلت من السيارة وترجلت؛ إذ ليس مما يجمل بالمرء أن يدخل مدينة الرسول راكبا، ولم ألبث إلا قليلا بعد أن تخطيت المناخة حتى عثر بي المدعي، فسارع إلي مجيبا، وقادني من يدي، فسرنا مرحلة يسيرة حتى صرت أمام المسجد النبوي الشريف، فقلت: «بسم الله،
ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله .»
ودخلنا إلى المسجد من باب السلام (وهو الباب الذي كان يدخل منه النبي
صلى الله عليه وسلم )، فما أسرع ما هب علي ذلك العبير الذكي، والعطر الفياح عبيق رياحين الجنة، وشذى رياض الفردوس.
وأخذت أردد في نفسي: «هبي يا رياحين الجنة! هبي! هبي يا نسمات الفراديس، هبي! هبي واشرحي الصدور التي وسوست فيها شياطين المدنية الفاسدة المضلة! هبي وطهري النفوس التي دنستها الشهوات البهيمية! هبي وغذي الأرواح التي لوثتها الرذائل الإنسانية الوحشية، هبي يا رياحين الجنة، هبي!»
وشعرت برهبة وخشوع يدب دبيبهما في حنايا نفسي؛ إذ كنت ماثلا أمام قبر الرسول
صلى الله عليه وسلم . هو شعور لا يمكن أن يزول عن نفس المرء ما دام أمام القبر النبوي الشريف. ولو أنك زرت مسجد محمد عشرات المرات في اليوم الواحد لكان شعور الرهبة في كل مرة هو نفسه الشعور الذي يتملك نفسك للمرة الأولى، بل إن نفسك لتشعر باللهفة على زيارة قبر الرسول المرة تلو المرة، وكلما زدتها إشباعا زادت لهفتها، واشتد التياعها شعاعا.
كانت جوارحي ومشاعري وجميع نفسي وأنا أمام قبر الرسول شيئا غير ما كنت عليه، كنت شارد الذهن، محلق الروح في عالم من الطهر والنور، كنت أمام قبر نبي ورسول قرن الله اسمه تعالى باسمه، ودونت أحاديثه وجميع أقواله كلمة كلمة، ونزل عليه كتاب ليس في العالم منذ نشأته، ولن يكون في الغد، كمثله كتاب! فيه الهدى واليقين، وفيه الرحمة، فيه أسمى المبادئ وأشرف التعاليم.
Unknown page