بنقضه ونقض ما حوله من الأبنية. قال: فنقض شيء من ذلك وحمل آجره إلى بغداد فوجدوا أن النفقة على هدمه وحمله ومؤونته أكثر مما ينفق على الآجر الجديد إذا عمل. فرفع ذلك إلى المنصور فأمر بتركه وأحضر خالدا فعرفه الخبر وقال له ما عندك في هذا؟ فقال: قد كنت أشرت على أمير المؤمنين أن لا تعرض لشيء من نقضه فلم يفعل، فأما الآن وقد ابتدأ بذلك فما أرى أن يكف عنه حتى يلحقه بقواعده لئلا يقال إنه عجز عن هدم ما بناه غيره. والهدم أيسر من البناء.
فتبسم المنصور وأمر بترك ذلك.
قال: وأمر (1) المنصور أن تجعل الأسواق في طاقات المدينة إزاء كل باب سوقا. فلم تزل على ذلك مدة حتى قدم عليه بطريق من الروم وافدا من عند الملك فأمر الربيع أن يطوف به المدينة حتى ينظر إليها ويتأملها ويرى سورها وأبوابها [33 ب] وما حولها من العمارة ويصعد السور حتى يمشي عليه من أوله إلى آخره، ويريه قباب الأبواب والطاقات وجميع ذلك. ففعل الربيع ما أمره به. فلما دخل إلى المنصور قال له: كيف رأيت مدينتي؟ قال: رأيت حسنا ومدينة حصينة إلا أن أعداءك معك فيها. قال : ومن هم؟ قال: السوقة، يوافي الجاسوس من بعض الأطراف فيدخل لعلة ما يشتري فيتجسس الأخبار ويعرف ما يريد وينصرف من غير أن يعلم به. فسكت المنصور. فلما انصرف البطريق أمر بإخراج السوقة من المدينة وتقدم إلى إبراهيم بن الحبيش الكوفي وخراش بن المسيب اليمامي بذلك.
وأمرهما أن يبنيا الأسواق ناحية الكرخ ويجعلاها صفوفا، لكل سوق صف، وأن يدفعوها إلى الناس، فلما فرغا من ذلك، حول السوق من طاقات المدينة ووضع عليهم الغلة على قدر الذرع. فلما كثر الناس ضاقت عليه. فقالوا لإبراهيم بن حبيش وخراش: قد ضاقت علينا هذه الصفوف ونحن نتسع. وتبني لنا أسواقا من أموالنا ونؤدي عنها الأجرة. فأجيبوا إلى ذلك، فاتسعوا في البناء والأسواق.
وقال الشروي: بل كان سبب إخراج الأسواق عنها أن المنصور حين استتم
Page 288