فشعر بمغص شديد ثم باليرقان،
20
ويذهب إلى فردريكسروه وهنالك يرقبه الطبيب رقابة وثيقة، حتى إنه لم يكله في كيسينغن ولا في غاستن إلى نفسه يوما واحدا، وينقه المريض بعد بضعة أشهر، ويرى أنه يعود إلى صباه إذا عاد إلى عمله العادي.
وينقذ شويننجر حياة بسمارك بهيمنته عليه لا بتركه يهيمن عليه، ولو سار الألمان الآخرون في الحقول الأخرى على ذلك الدرب ما وجدوا قياد المستشار أمرا مستحيلا على الدوام.
الفصل الحادي عشر
وكيف تمتع ذلك الرجل الدائم السخط بالحياة في أثناء مشيبه؟
هو تمتع بها بفضل أولاده الذين كان يغفر لهم كل شيء وكان يدعهم يصنعون كل شيء خلا تصرفهم بأنفسهم، وبفضل أصدقاء صباه القليلين، وبفضل خمره، وهو يفضل الخمر الجيدة على جميع الأوسمة، وهو يثبت هذا بصنعه من جميع أوسمته الروسية قدحا عظيما من الفضة مع استهجان الإمبراطور لهذا، وهو يقول إن لكل رجل مقدارا من الخمر والتبغ: «وأحتاج إلى 100000 سيغار و500 زجاجة من الشنبانية.» ويضحك أحد الحضور فيحسب له ذلك.
ومن بين أصدقاء بسمارك القدماء يندر مجيء كيزرلنغ في الوقت الحاضر، «وكيزرلنغ هو الرجل الوحيد الذي خشيت ذكاءه أحيانا في أثناء حياتي.» وبسمارك بهذا المديح العجيب ينبئ بترفعه، وكيزرلنغ عارف بذلك، فلم يذهب ليزوره في الريف مدة عشر سنين؛ وذلك لأن «بسمارك أصبح مسيطرا، وإذا ما لقيته اتفاقا وجدته أخلص الأصدقاء وأكثرهم أنسا، وأما البحث عنه في الريف للهو فأمر لا يتسع له وقته الثمين».
ولكن موتلي إذا ما حضر كانت لبسمارك أيام سعادة، ويصل هذا الأمريكي في صيف سنة 1872 بعد غيبة ثماني سنوات، ويكتب بسمارك إليه قوله: «كانت مفأجاة سارة بمشاهدة خطك الذي أبصرت منه وعدك إياي بزيارة، وذلك قبل فض غلاف كتابك فأرحب بك ألف ترحيب، وأول يوم تستطيع أن تتصرف فيه هو اليوم الأغر الذي تأتي فيه لترانا.» ثم يخبره بسمارك بساعات القطار إلى برلين ثم إلى فارزين، ويبقى موتلي أسبوعا، ويقضي بسمارك معه أربع عشرة ساعة في كل يوم؛ أي يأتي بسمارك أمرا لم يطق صنعه مع أي رجل آخر في أثناء حياته.
ويسجل موتلي في منزله قوله: «وجدته أسمن مما كان عليه سابقا، ووجدته مضعضع الصحة، ووجدت الزمان قد عمل في وجهه مع بقاء معناه وقوته، ووجدته لا يستطيع النوم قبل الساعة الرابعة أو الساعة الخامسة صباحا، وبعد الغداء كنت أقوم مع بسمارك بنزهة طويلة في الغابات، وكان بسمارك يتكلم بأبسط أسلوب وأمرحه وأمتعه، ومن غير تكلف، حول مختلف الأمور التي حدثت في غضون تلك السنين الهائلة، وذلك كما يتكلم حول صغريات حادثات الحياة الدارجة، والحق أنه كان من البساطة والتساهل ما يقول المرء معه: هذا هو بسمارك العظيم، هذا هو أعظم رجل في العصر الحاضر، وهو أقل وضاع متصنع بين من عرفتهم من الأكابر والأصاغر، ولا تبصر مخلوقا قليل التكلف كثير اللطف مثله.» ومن خلال هذه الزيارة التي قام بها موتلي، وموتلي لم يعش بعدها غير عام أو عامين، نرى مرة أخرى مقدار النفوذ الذي أثر به في بسمارك هذا الرجل الذكي الحر المرح البعيد من الطمع.
Unknown page