265

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

2 «أجعل الضرائب الصغيرة من آلامي الكبيرة.»

وفي كل مرة يقدم بسمارك استقالته، وقد قدمها ست مرات، لا يستند إلى صحته وحدها فقط، بل يستند أيضا إلى الخدمة، وإلى الإمبراطور نفسه في أكثر الأحيان، ويجده هوهنلوهه في فارزين ذات يوم «حسن الحال طيب المزاج»، ويعهد إليه بسمارك في أخبار الإمبراطور بأنه دائم المرض تعب الأعصاب، «وذلك لأن الإمبراطور لا يعنى بي، وهو يزعجني».

بيد أن المستشار ينتظر من الريشتاغ عناية ضن المستشار بها عليه، فلما حمل بسمارك على لاسكر حملة شخصية في سنة 1879 دق الرئيس الجرس بلطف، فيقف بسمارك حملته ويقول: «ما هو السبب في دق الجرس؟ كل شيء هادئ في القاعة!» ثم يقول للوسيوس: «إنني أعلى موظفي الإمبراطورية هنا، ولست خاضعا لنير الرئيس، ولا يحق للرئيس أن يقاطعني أو أن ينذرني بالجرس، فإذا فعل شيئا من هذا دنونا من حل المجلس خطوة!» وهكذا يحول جميع أسهمه إلى نفسه، وهكذا يتعطش إلى القراع مع ازدراء الآخرين، ويهاجم ريكرت الحكومة ذات مرة، فيصب بسمارك جام غضبه قائلا: «أجل، أيها السادة، إنكم تحملون على اشتراعنا وأعمالنا وعلى سياسة الحكومة، ومن تقصدون بهذه الحملات؟ ومن ذا الذي تهاجمونه غيري؟ ولست أدعكم توجهون إلي مثل هذه الشتائم زاعمين أنكم تحملون على الدولة من غير أن أنتحل حق دفع الأذى!»

وفي ذلك الاجتماع يغير بسمارك السبب فينتقل من الشرف إلى الرياضة، ويقول لريشتر: «وإنني كرجل رياضي، وعند جواز هذا التشبيه، لا أستطيع أن أردع نفسي هنا من الدفاع ضد مثل تلك الحملات!» وفي يوم آخر يترجح مزاجه بين الكرامة والتواضع، فلما قال لاسكر بعدم وجود رجل قادر على فعل كل شيء عد بسمارك هذا الكلام تحديا لسلطاته الخاصة، وقال مسيئا الاقتباس من شيلر عن قصد: «يلوح لي أن ما يستطيع ألفا أن يصنعه يستطيع شارل أن يصنع مثله، لا أكثر!» وقال ما هو في غير مصلحته في الظاهر: «ويمكن شارل أن يصنع أكثر!» ومن النادر جدا أن يشير بسمارك إلى تاريخه الخاص، ولكنه قال في الريشتاغ ذات مرة: «لقد باريت أوروبة مجتمعة، ولستم أول من عاملته!» وفي ساعات كتلك لا يسع سامعيه حتى أشد أعدائه سوى الارتعاش عالمين أنه يقول الحق.

وفي تلك الأيام يتدرج بسمارك إلى الشعور بأنه إمام السياسة، وهو يعلم النظريين في الريشتاغ «أن السياسة ليست علما - خلافا لما يخيل إلى كثير من الأساتذة - بل هي فن، وهي بعيدة من العلم بعد النحت والتصوير منه، وقد يكون المرء ناقدا حاذقا من غير أن يكون متفننا، حتى إن أستاذ النقاد ليسنغ لا يستطيع أن يصنع مثل تمثال لاكون».

وبسمارك بعد مثل تلك المعارك في الريشتاغ إذا ما أتى المائدة سيئ المزاج بدا تجهمه بعد الأطباق الثلاثة أو الأربعة الأولى، وهنالك يبدي رغبة في إلقاء خطبة كالتي كان قد ألقاها في إحدى الولائم، «وهنا يجمعنا صمت طويل ووجوه حائرة».

ولتلك الأهواء التي يسير معها طاغية ارتباط في سلامة مقامه الخاص، وفي الحقيقة يشابه بسمارك في ذلك أسدا يلوح في الحين بعد الحين أنه يطلق الحيوان الذي أمسكه ليقبض عليه ببراثنه العظيمة في آخر دقيقة.

وفي شهر أبريل سنة 1880 يساوره الغضب لما كان من الفوز على بروسية في البندشرات وظهورها أقلية في هذا المجلس للمرة الأولى، فلما كانت الساعة العاشرة مساء أحضر تيدمان - على خلاف عادته - وطلب منه وضع مذكرة في تلك الليلة عن استعفائه لتعلن في «النور دوتش» ويهيئ هذه المذكرة على الرغم من النصائح التي تعرض عليه، وينزل إلى الحديقة للنزهة، وكان كلما دنا من النافذة التي يعمل بجانبها أمين سره أصدر إليه من الإرشادات ما هو أشد مضاضة مما تقدم، فعلى كثير من أمراء الاتحاد وممثليهم أن يبرروا موقفهم، ويحثه تيدمان قبيل إرسال الجريدة إلى الطبع على الانتظار إلى الصباح، فيقول: «كلا!» ويتم نقل كتاب استقالته في أربع صفحات من القطع الكامل بخط جميل، ويحمل أربعة كتاب من ديوان الشفرة

3

على تسجيله، وإلا تعذر وصوله إلى الإمبراطور قبل منتصف الساعة الخامسة، وينطلق به فارس إلى القصر في منتصف الساعة الخامسة تماما ، ويجلس بسمارك في الساعة الرابعة والدقيقة الخامسة والأربعين حول المائدة ليتناول طعام الفطور، ولم يكد بسمارك يبدأ بالأكل حتى أرسل من يخبر بضرورة عدم إرسال كتاب الاستقالة، ويهرع تيدمان إلى الطبقة العليا لينبئ بسمارك بأن الوثيقة أرسلت منذ نصف ساعة، ومن البديهي أن يحاول استردادها من المرافق، ولكن إعلان الاستقالة كان قد أرسل إلى الجريدة مع الأسف، وسيقرؤه الإمبراطور، ويقول بسمارك: «إذن، لتأخذ الأمور مجراها، وما أكثر ما أزعجني! والآن أتى دور إقلاقه!»

Unknown page