235

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

هذا الرجل المدلل المتهارم وعتو هذا الرجل المطلق ورغبته في أن يكون داعيا لا مدعوا وفي ألا يشكر لإنسان حوافز إلى استقبال أعدائه عن حساب ودهاء تحت سقفه في كل أسبوع.

وفي أعوام الحروب عد بسمارك فيرشوف ودنكر أشد عداوة له من نابليون الثالث وفرنسوا جوزيف، والآن حينما أخذ بسمارك يدخل في العقد الثاني من سلطانه وهو عقد السلم؛ أبصر الريشتاغ يؤلف جبهة واحدة ضده، وما كان من وقوف بسمارك وحده أمام المئات من الأعداء فقد قوى تحرقه إلى الكفاح، وما كان بسمارك ليرضى بإغلاق دار أعدائه ووضع المفتاح في جيبه.

وقد أراد بسمارك معارضة علنية، ولم يكن بال بسمارك ليهدأ إلا إذا وجد شيئا يتذمر منه، ولو كان بسمارك عاهلا مطلقا لبحث عن أسباب للاحتكاك، وسنرى بسمارك في السنين العشرين القادمة متضجرا دوما متذمرا دوما، وسنعرف أن حس الاحتكاك في بسمارك ينطوي على سر الدوام في قوى هذا المناضل الحيوية، ومن شأن المنازعات الداخلية التي كانت تتجدد بلا انقطاع أن تجدد عزمه على الخصام في الخارج.

وفي عدم ملال بسمارك من الكفاح أعمق تفسير لزلاته، وبسمارك لنمو كرهه الناس مع السنين، وبسمارك لأنه لم يسطع أن يتنزل عن شيء لبقاء خصم أو ألمعية عدو، وبسمارك لأنه رغب عن المفاوضة بالتدريج، وبسمارك لأنه تدرج إلى الأمر والنهي، غاب عن عينيه ما طرأ على روح العصر من تحول، فكان غافلا عن أفكار الآخرين ورغائبهم وعن أفكار الطبقات الأخرى ورغائبها.

وفي الصلات الخارجية لم يقدر بسمارك الخصم بأقل مما هو عليه، فكان لا يزج إلا بقوى أعظم من قوى العدو وبمدافع أثقل من مدافعه وبمحالفات أقوى من محالفاته، وفي الداخل يبدأ بسمارك بمغامرات خطرة في الوقت العتيد، وقد تم الفوز لنظام بسمارك اللادستوري فزاد بسمارك ازدراء لقدماء خصومه وجددهم غير عالم أن هؤلاء الخصوم سيقهرونه في نهاية الأمر، وما كان من مدافع رون وبنادق مولتكه ونظام البروسيين المطيعين فحمل أوروبة على التجاوز عن وضع بسمارك القوة فوق الحق، ثم ينتقم منه قومه لوضع القوة فوق الروح.

ويقذف بسمارك أخلاقه في بلده، ويوفق بسمارك لجعل الريشتاغ عدوا له بدلا من أن يكون آلة في يده، وينجح بسمارك في جعل الأحزاب تنفر منه بالتناوب، حتى رسمه مصور معاصر هزلي مفترسا أولاده مثل كرونوس،

3

وفي الشئون الوطنية يعقد بسمارك - بواقعيته القاسية - محالفات وينقض أخرى كما كان يراه ضروريا في الحين بعد الحين في الأمور الخارجية، وكلما مر الزمن جعل بسمارك جميع طبقات المجتمع في شك منه ما انحرف في كل خمس سنين، وعند كل انتخاب، ضد طبقة من طبقات الأمة.

وعلى ما كان من إثارة عبقرية بسمارك لإعجاب جميع أوروبة ومن تحول هذا الإعجاب إلى إجلال؛ كانت سياسته الاستبدادية في البلاد تغيظ الشعب فيعجز هذا الشعب عن إدراك براعته في الأمور الخارجية، وبسمارك في الأمور الخارجية كان قادرا على الجلوس وحده ليلاعب الدول العظمى صامتا غير مسئول تجاه أحد غير الملك الشائب الذي كان يقطره بسمارك وراءه، وبسمارك كان يرفض بعض ما يطلب الريشتاغ عن ضغن على هذا الزعيم أو ذلك الزعيم، كما كان الريشتاغ يأبى الخضوع أمام إرادته عن حقد عليه، والرجل يمكنه أن يكون طاغية أو برلمانيا، والرجل لا يمكنه أن يكون طاغية وبرلمانيا معا.

وفي مساء كل سبت تزدحم بممثلي الأمة رداه منزل المستشار بسمارك ذات الرياش البعيد من حسن الذوق، وإلى هنالك يأتي بعض أعضاء المعارضة بفعل مغنطة خصمهم العظيم، وبانجذابهم إلى مائدته الفاخرة التي يجهزها بأطيب طعام وشراب، وهو يرحب بضيوفه بأدب جم وتبجيل مقصود، وهو يعرف زائريه شخصيا وإن لم يذكر أسماءهم دوما، فيحفزه هذا إلى أن يقول إن عينيه تعملان بضبط كبندقية عصرية وإن ذاكرته هي من البطء وعدم الدقة ما تشابه به بندقية زندية،

Unknown page