بالمجالس، وفي باريس وبعد خطب تيار وغنبتا النارية لا يرفض قروض الحرب سوى عشرة أصوات، وفي برلين يمتنع ليبكنخت وبيبل عن التصويت مجتنبين الدفاع عن سياسة بسمارك وسياسة نابليون الثالث، وتجد بين الديمقراطيين الاشتراكيين من انتقد ذلك الوضع، فتقرأ في جريدة اشتراكية قبل كل شيء قولها: «إن انتصار نابليون يعني انكسار العمال في جميع أوروبة، ويعني تجزئة ألمانية تماما، وتقضي مصلحتنا بالقضاء على نابليون، لانسجامها مع مصالح الشعب الفرنسي.»
وتقرأ في هذه الجريدة الشعبية بعد ثلاثة أيام: «دعوا القيصرية الألمانية والقيصرية الفرنسية تتنازعان الأمور هما والرأسمالية، وليس لنا - نحن الصعاليك - ما نعمله في الحرب!» وفي الغد يصدر منشور معاكس لذلك، ويدور حديث الشعب حول «ملكية ليبكنخت»، وإن كان هذا قد صوت ضد القروض.
ويبدي كارل ماركس سعة بصر أوروبية فيكتب إلى إنجلس من اليوم الأول: «إن ترتيل نشيد المارسلياز هو جد في هزل كجميع الإمبراطورية الثانية، ولا فائدة لبروسية من القرديات القائلة إن يسوع هو ملاذي ومرتجاي والتي تعد مارسيلياز الألمان فيتغنى بها ولهلم الأول وبسمارك عن يمينه ووزير الشرطة ستيبر عن شماله، ويظهر أن الألماني الفلسطيني سعيد بأن له من الحظ في الوقت الحاضر ما يطلق به العنان لعبوديته الفطرية، ومن ذا الذي كان يظن إمكان اتفاق مثل ذلك التعبير النظري لحرب قومية في ألمانية بعد سنة 1848 باثنتين وعشرين سنة؟» ولكن تحاور المبعدين لا يزال بلا صدى.
وكانت عواطف أوروبة مع فرنسة خوفا من بروسية، ويرى بسمارك أن يوجه الرأي العام الإنكليزي حيث يريد فيرسل إلى جريدة «التايمس» صورة عن مشروع معاهدة سلمه بنيديتي إليه في أثناء مسألة اللوكسنبرغ، فينص على رضا نابليون بالوحدة الألمانية إذا ما أطلقت يده في ضم بلجيكة، ويسأل بنيديتي رسميا، فيقول إن الفكرة هي لبسمارك وإن بسمارك هو الذي أملى تلك الوثيقة، ويجيب بسمارك عن ذلك بأنه بحث في الأمر مع نابليون مرارا وبأنه إذا لم ينشر الوثيقة في الساعة الحاضرة فإن الإمبراطور يقترح - لا ريب - إجابته إلى رغائبه على حساب بلجيكة وذلك بعد إتمام استعداده الحربي، وذلك تجاه أوروبة العزلاء، وذلك مع الاستناد إلى مليون جندي؛ أي وفق ما اقترح بسمارك نفسه قبل إطلاق العيار الناري الأول في سنة 1866.
ومن الصحيح ما ذكره بنيديتي، وإذا ما صدقته أوروبة دل ذلك على علم الناس بما يتم بسمارك عمله به من الدهاء، ويكتب إنجلس قوله: «وللأمر حسنة واحدة، وهي تنظيف الثياب القذرة علنا، ولا بد من خاتمة للمكايد بين بسمارك وبونابارت.»
والأمر الذي لم يعرفه أحد في ألمانية، (وذلك لأنه لم يعلن إلا في سنة 1926 حينما نشرت مراسلة الملكة فيكتورية) هو: كيف أن النفور الأعمى من بسمارك أدى إلى حوك الأميرة فيكتورية البروسية الإنكليزية المولد وزوجها للمكايد ضد الوطن، ولما وضعت الحرب أوزارها زار ولي العهد إنكلترة، فكتبت الملكة فيكتورية في يوميتها ما يأتي:
أوسبرن، 30 من يوليو سنة 1871، نهار رائع، غداء في الخيمة، اجتماع بفريتز الجميل وحديث حول الحرب، هو حسن، هو أنيس، هو طيب، هو يمقت بسمارك مقتا شديدا، هو يقول إن بسمارك نشيط ذكي، ولكن مع خبث وخلو من كل مبدأ، هو يقول إن بسمارك صاحب السلطان والإمبراطور الحقيقي، هو يقول إن بسمارك غير محبب لأبيه «ولهلم» مع عجز أبيه عن عمل شيء ضده، ويرى فريتز أن المعاهدة التي نشرها بسمارك على أنها من اقتراح بنيديتي هي من صنع بسمارك ونابليون معا، ويشعر فريتز بأنهم يعيشون على بركان فلا يدهشه أن يحاول بسمارك شهر الحرب على إنكلترة ذات يوم!
فهذا هو شكر وارث عرش آل هوهنزلرن للرجل الذي كسب له تاجا إمبراطوريا تشرئب إليه الأعناق!
والناس - كما حدث في سنة 1866 - قائلون لسياسة بسمارك ما سوغت المدافع - التي لم يصوبها بعد - سيره، ويمكن ذلك الضابط الذي خاطب بسمارك مساء معركة كونيغراتز أن يكرر بعد المعركة الأولى قوله: «إنك من العباقرة ما دام الفوز قد كتب للهجوم الأول، فلو عبر العدو نهر الرين لغدوت أكبر المجرمين!»
وعلى ذلك القطب السياسي أن يتدخل في هذه المرة أيضا؛ أي بعد بضعة أسابيع، ففي الليلة التي عقبت معركة سيدان التمس التعس وينبفن
Unknown page