173

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

من الذكريات الجارحة، ومن شأن دخول الجيش البروسي فينة ظافرا أن يسدد ضربة هائلة إلى كرامة النمسة مماثلة لترك ملك قديم قهرا، ولا أشك في أننا - كفردريك الأكبر - نكون مضطرين في الحروب القادمة إلى الدفاع عما نستولي عليه الآن في ميدان الوغى، ومن المنطق التاريخي أن نحارب فرنسة بعد محاربتنا النمسة في الوقت الحاضر».

وتمضي بضعة أيام فيعقد في هذه المرة مجلس حربي آخر في برون،

7

فينظر في مصالحة فينة، فيقول بسمارك هادئا بحضرة الملك: «إذا غادر العدو فينة وارتد إلى هنغارية وجب علينا أن نتعقبه، وإذا عبرنا نهر الدانوب وجب علينا أن نبقى على ضفته اليمنى لتعذر السير على الخيل من ذلك المضيق الهائل، والرأي حينئذ أن نزحف إلى الآستانة ونؤسس إمبراطورية بيزنطية جديدة تاركين بروسية وشأنها!»

ومن النادر أن يتجلى هدوء ذكاء بسمارك بأوضح من ذلك، وبسمارك وحده قد دعا إلى تلك الحرب، وبسمارك وحده قد فرضها، ولكن تلك الحرب ما كادت تكسب في معركة واحدة حتى رفض الدوام عليها، حتى وقف حركاتها؛ وذلك لأنه أبصر في الأفق حربا أخرى، أبصر حربا يحمل عليها طوعا أو كرها، ويعمل ذهنه بعد المعركة بعشرة أيام فيرى مصالحة النمسة بلا غنم ولا ضم، والذي يغري الجنرالات بفينة هو نزوات أفئدتهم، والذي يحفز بسمارك إلى رأيه ذلك هو كونه قطبا سياسيا، لا كونه قائدا عسكريا أبرع من الجنرالات، وبسمارك عليه أن ينفذ خطته من غير أن يكدر الملك الجندي، وولهلم في الحقيقة لم يرض بذلك لقول جنرالاته له إن الميجر بسمارك خوار، فهنالك تذرع القطب السياسي بسمارك الذي ترك هو ومصادره الخاصة بوسائل أخرى فحاول متهكما أن يقوي الوضع الذي ألمع إليه في المجلس الحربي السابق.

والواقع هو أن العاهل الفرنسي كان يضغطه؛ ففي عشية كونيغراتز عرضت فينة البندقية على الإمبراطور نابليون الثالث إذا ما وقف الزحف الإيطالي، ويفاوض الإمبراطور منفردا بدلا من التدخل مع الدول الأخرى، ويعرض على المركز البروسي في بوهيمية أن يتوسط في سبيل السلم، ويتنفس بسمارك الصعداء! قبول سريع، وعدم طلب شيء من النمسة، وتسوية المسألة الألمانية بواسطة غولتز في باريس، ويستعد بسمارك كما يقول: «لحلف يمين لذلك الغولي على مذهب هنيبال.» ويظهر في الحال بنيديتي الذي ترك يمر من قبل حرس قليل الدربة، فيقف قريبا من وسادة بسمارك كأنه طيف حقيقي، وهنالك يبدأ بتبادل البرقيات مع باريس، وكان يلوح زوال الخطر؛ وذلك لأن بسمارك كان يحاول أن يحول الدول العظمى، ثم أتت دولة عظيمة لتتدخل على غير انتظار، فظهر ملك بروسية.

حقا أن ولهلم دخل الحرب «لمقاصد دفاعية» والآن بعد أن ذاق هذا العاهل المسالم طعم النصر، وبعد أن حرضه جنرالاته؛ تحول إلى طامع في التوسع، ومع أن الواقع هو أنه لولا قلم بسمارك ما استل أحد سيفا يصرح الملك مغاضبا بأنه لا ينبغي للقلم أن يبطل ما ناله السيف، فيطالب بواسطة نابليون الثالث بشليسويغ وهولشتاين وبزعامة بروسية على ألمانية وبغرامة حربية وبتنزل جميع أولياء الأمور المخاصمين، ومنهم ملك سكسونية، عن عروشهم وبضم جميع تلك الأقاليم، فهذا هو السهم الذي أطلقه ولهلم نحو باريس، ولكن بسمارك أطلق سهما آخر من كنانته، فعلى السفير أن يقدم تقريرا عن أثر تلك المطالب في فونتنبلو، وذلك «لأنني أعتقد أن من الممكن أن نصل إلى اتفاق مع الإمبراطور بتعديل تلك الشروط تعديلا معقولا مقبولا عندنا».

ويضغط نابليون الثالث وزراؤه، «ويهز في الحقيقة ويسقط في يده تماما»، وماذا يعمل؟ هو قد اقترف خطأ، فيجب الإبقاء على النمسة وسكسونية، وتضطرب فرنسة ضد شيد إمبراطورية ألمانية، والرأي إذن أن يفصل الجنوب عن الشمال ولو ظاهرا، ويبدو القيصر في الميدان فيقترح عقد مؤتمر، ويعني هذا أنه يريد الربح أيضا، وتظهر العدوى التي ود الطبيب عدم شمولها، وتستحوذ حمى الضم على وزارات أوروبة، ويعلن تفشي الهيضة

8

بالجيش البروسي، ويتوقف على الهيضة عدم اشتعال حرب كبيرة.

Unknown page