الفصل السادس
كان القيصر إسكندر الثاني ابنا لأخت ولهلم، وظلت قرابة الدم هذه ضمانا للصداقة بين البلدين ما دام ولهلم حيا، أي مدة ثلاثين سنة، فيندر تصادم مصالح ذينك البلدين خلافا لما يقع اليوم، وما كان من حدود مترامية الأطراف بين البلدين فسبب صالح لبقائهما متحابين، وما كان من اتصاف ولهلم وأخته القيصرة الأم الذكية بحس الأسرة مع البساطة، فيحول دون نشوب الحرب بين البلدين في عهد ولهلم الأول على ما بينهما من مائة مشكلة.
ومن الصعب مسايرة إسكندر الثاني مع ذلك؛ فهذا القيصر كان في الأربعين من عمره، وكانت ملامحه لا تدل على معنى، وكان متعصبا فظا بذيئا، وكانت جدر بيوته الخاصة مستورة بالصور الداعرة التي لم يطلع العالم على أمرها إلا في أيامنا، وكان يظهر فاتنا منفعلا إذا ما استحوذ عليه الخيال، وكان طموحه يحفزه إلى الحرية حينا وإلى الانتقام حينا آخر، وكان صيادا كبيرا لا جنديا لفزعه.
ويلوح أنه صورة روسية مطابقة لخاله فردريك الرابع؛ فهو وإن كان أكثر من خاله هذا ظرفا وضعفا يعدله خباطا،
1
وهو إذا ما حرر الفلاحين فلما عليه من الهوى والجبن، وقد ظل مرسومه في ذلك عاطلا من العمل سنين كثيرة كما عطل الدستور الذي منحه فردريك ولهلم الرابع لبروسية، والآن يغتبط ابن الأخت «القيصر» كما اغتبط الخال «الملك» ببارون بوميرانية العظيم «بسمارك»، ولعل القيصر يسر بما في بسمارك من إبداع، ويتقبل القيصر بسمارك كرسول للأسرة، ويفضله في البلاط على جميع الأجانب الآخرين، ويأذن له في التدخين بحضرته مكرما إياه ومثيرا غيرة زملائه.
وذلك إلى ما بين القيصر والسفير الجديد بسمارك من الأواصر
2
السياسية، وبسمارك هذا كان ملكيا عدوا للنمسة، وفيما يصل بسمارك إلى سان بطرسبرغ يتذرع نابليون الثالث بنصوص حلفه لكافور فيشهر الحرب على النمسة انتصارا لساردينية، ويعود الوضع إلى ما كان عليه في أيام حرب القرم منذ خمس سنين، فيقول نصف ألمانية بالحرب بجانب النمسة «الألمانية» ضد العدو التقليدي ما قيل: إن نابليون الثالث يريد السير على غرار نابليون الأول، فيهدم النمسة ثم بروسية، فيجب إذن أن يدافع عن الرين على ضفاف نهر البو
3
Unknown page