الجزء الأول
Page 15
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد القهار، الأزلي الجبار، العزيز الغفار، الكريم الستار، لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأفكار، الذي بعد فدنا، فقرب فنأى، وشهد السر والنجوى، سبحانه وتعالى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة المخلص الموقن المصدق المؤمن، وأشهد أن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى، الذي له ولأهله خلق الأرض والسماء وما بينهما من جميع الأشياء، عليه وعلى آله صلاة رب العلى.
أما بعد: فان الذي حملني على عمل هذا الكتاب، اني لما رأيت الخلق الكثير والجم الغفير يتسمون بالتشيع، ولا يعرفونه ومرتبته، ولا يؤدون حقوقه وحرمته، والعاقل إذا كان معه شئ يجب أن يعرفه حق معرفته، ليكرمه إن كان كريما، وإن كان عزيزا أعزه وصانه مما يشينه ويفسده.
تعمدت (1) إلى جمع مؤلف يشتمل على منزلة التشيع ودرجات الشيعة وكرامة أولياء الأئمة البررة على الله، وما لهم عنده من المثوبة وجزيل الجزاء في الجنان والغرفات والدرجات العلى، ليصير الناظر فيه على يقين من العلم فيما معه، فيرعاه (2) حق رعايته ويعمل فيه بموجب علمه، ويحرص على أداء فرضه وندبه (3)، ويكثر الدعاء لي عند الانتفاع بما فيه.
وسميته بكتاب " بشارة المصطفى لشيعة المرتضى " صلوات الله عليهما،
Page 17
ولا أذكر فيه إلا المسند من الأخبار عن المشايخ الكبار والثقات الأخيار، وما ابتغي بذلك إلا رضا الله والزلفى، والدعاء من الناظر فيه وحسن الثناء، والقربة إلى خير الورى من أهل العبا ومن طهرهم الله من أئمة الهدى، صلوات الله عليهم عدد الرمل والحصى، ومن الله نسأل المعونة والتقوى، وهو خير المعين والمرتجى، يسمع بمنه وجوده ويجيب الدعاء.
يقول محمد بن أبي القاسم (رحمه الله) في الدارين:
1 - حدثنا الشيخ الفقيه المفيد أبو علي الحسن ابن أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي بقراءتي عليه في جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وخمسمائة، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى ذريته، قال: حدثنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي y، قال:
أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم (رحمه الله)، قال: حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، قال:
حدثني أبي (رضي الله عنه)، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال:
" إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه؟
فيقوم داود النبي (عليه السلام)، فيأتي النداء من قبل الله (1) عز وجل: لسنا إياك أردنا وإن كنت لله خليفة، ثم ينادي ثانية: أين خليفة الله في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيأتي النداء من قبل الله عز وجل: يا معشر الخلائق! هذا علي بن أبي طالب، خليفة الله في أرضه وحجته على عباده، فمن تعلق بحبله في دار الدنيا فليتعلق بحبله في هذا اليوم، يستضئ بنوره وليتبعه إلى درجات العلى من الجنان (2)، قال: فيقوم أناس قد تعلقوا (3) بحبله في دار الدنيا فيتبعونه إلى الجنة.
ثم يأتي النداء من قبل الله جل جلاله: ألا من إئتم بإمام في دار الدنيا فليتبعه
Page 18
إلى حيث يذهب به، فحينئذ يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار (1) " (2).
2 - أخبرنا الشيخ الأمين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شهريار الخازن بقراءتي عليه في شوال سنة اثني عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: حدثني أبو يعلى حمزة بن محمد بن يعقوب الدهان بقراءتي عليه (3) بالكوفة في دكانه (4) بالسبيع (5) في شوال سنة أربع وستين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد الجواليقي (6)، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا سعدان، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا حسين بن نصر، قال: حدثني أبي، عن الصباح المزني، عن أبي حمزة الثمالي، عمن حدثه، عن أبي رزين، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) انه قال:
" من أحبنا لله نفعه حبنا ولو كان في جبل الديلم، ومن أحبنا لغير الله (7) فإن الله يفعل ما يشاء، ان حبنا أهل البيت يساقط عن العباد الذنوب كما يساقط الريح الورق من الشجر ".
3 - أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الطوسي، عن أبيه الشيخ السعيد المفيد أبي جعفر الطوسي (رضي الله عنه)، قال: أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله)، قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (رحمه الله)، قال: حدثني الحسين بن محمد بن عامر (8)، عن المعلى بن محمد البصري، عن محمد بن جمهور العمي، قال: حدثني أبو علي الحسن بن محبوب قال: سمعت أبا محمد الراسبي،
Page 19
رواه عن أبي الورد، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) يقول:
" إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين والآخرين عراة حفاة، فيوقفون (1) على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا وتشتد أنفاسهم، فيمكثون بذلك ما شاء الله (2)، وذلك قوله: * (لا تسمع إلا همسا) * (3)، قال:
ثم ينادي مناد من تلقاء العرش: أين النبي الأمي؟ قال: فيقول الناس: قد أسمعت فسم باسمه، فينادي: أين نبي الرحمة محمد بن عبد الله؟ قال: فيقوم رسول الله، فيتقدم أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة (4) وصنعاء، فيقف عليه ثم ينادي بصاحبكم، فيقوم (5) أمام الناس فيقف معه ثم يؤذن للناس فيمرون.
قال أبو جعفر: فبين وارد يومئذ وبين مصروف [عنه] (6)، فإذا رأى رسول الله من يصرف عنه من محبينا بكى، وقال: يا رب شيعة علي، قال: فيبعث إليه ملكا فيقول له: يا محمد ما يبكيك؟ فيقول: وكيف لا أبكي وأناس من شيعة علي بن أبي طالب أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ومنعوا من ورود حوضي، قال: فيقول الله عز وجل له: يا محمد [إني] (7) قد وهبتهم لك وصفحت لك عن ذنوبهم وألحقتهم بك ومن كانوا يتولونه من ذريتك وجعلتهم في زمرتك وأوردتهم حوضك وقبلت شفاعتك فيهم وأكرمتهم بذلك.
ثم قال أبو جعفر: فكم من باك يومئذ وباكية ينادون: يا محمداه، إذا رأوا ذلك فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولانا ويحبنا [ويتبرأ من عدونا ويبغضهم] (8)، إلا كان من حزبنا ومعنا وورد حوضنا " (9).
Page 20