92

Bint Ikhshid

بنت الإخشيد

Genres

تلك أيام ما كان أنكرها. لقد شاهدت بعيني كل ما كان يجري بمصر من المنكرات والمظالم، وأنا تحت إمرة تكين في ولايته لرابع مرة. مضى اليوم خمسة عشر عاما، وأنا لشدة تأثري بحوادث ذلك العهد كأنما أنظر إليها عيانا. وليت الحوف من شمال مصر - وما أشد حيف أهل هذا الحوف - قوم غلاظ الأكباد بلا قلوب. أولئك هم نسل الذين كانوا يقطعون الطرق في عهد سلفنا الكريم، عمرو بن العاص، وابن أبي السرح، وابن أبي بكر ومن جاء بعدهم، فلا غرو أن ساروا في أيامنا على درب آبائهم، فما زلت أروض على السيف كبودهم، وأطهر على القنا حوباءهم حتى استدعاني الخليفة المقتدر رحمه الله لمثل هؤلاء القوم من عرب الشام، ولكني كنت أحس أني عائد إلى مصر ثم غير مفارقها، فقد رأى أبي رحمه الله، إذ كان واليا لطرسوس من قبل خمارويه ابن طولون صاحب مصر ليلة التحم مع الروم في أرمينية، كأنما أرسل بنيه إلى مصر بدار أشبه بقصر أجدادنا ملوك فرغانة، وأوصاهم ألا يعودوا إلى بغداد، فكنت أول الذاهبين. وقد قص علي رؤياه ففسرتها لنفسي بما أنا فيه اليوم. وما زلت كذلك حتى وجدتني بمصر كما كان آبائي في فرغانة.

كافور :

تلك نعمة الله خص بها أهل هذا البلد يا مولاي. أيامك أيام رخاء وعدل وتقى، لقد انصرف الناس فيما مضى عن الدرس في الجامع الأكبر خشية ما كان يلحقهم من أذى الجند يومئذ فانصرفوا عن العبادة فيه أيضا، فلما أرسلك الله إليهم عرف الجند قائده فهدأ، فإذا العمران سائر، وإذا الهناءة وارفة، وإذا جامع عمرو غاص بالعلم وأركانه.

الإخشيد :

لقد هدأت ثورة الجند يا كافور ولم تهدأ ثورة العلماء. يحسب المرء نفسه في سوق الصليبة إذا هو دخل الجامع ... هذا يشاحن ذاك على كلمة، وهذا يسب أخاه سبا من أجل رواية، بل لقد رأيت أحدهم تناول خفة فصفع به من كان يجادله.

كافور :

كذلك كان فلاسفة اليونان يا مولاي، وعنهم أخذنا نحن العلماء.

الإخشيد :

ها، ها. إنك تحشر نفسك في زمرتهم، أأنت من العلماء يا كافور؟! خسئوا والله إن كنت منهم، أزعمت إذ جعلتك رفيقا لولدي أنوجور، وعلي أنك كهؤلاء!؟

كافور :

Unknown page