والتكملة التي تلحق بهذه الصورة أنه إذا عاد إلى الحياة عاد كما كان في أيام الحياة؛ مستر أمريكان في إنجلترا، ومستر أمريكان في فرنسا، ومستر أمريكان في أمريكا، ومستر آدم مع هذا حيث كان، لا يحس القلق والغرابة في بيئة ينتقل إليها ويقيم فيها، فهو أمريكي مستريح بين الأمريكيين، وأمريكي مستريح بين الفرنسيين، وبين الإنجليز، وبين من شاء من العالمين. فإذا أراد أحد بقوله عنه أنه «مستر أمريكان» أن يصبغه بصبغة خاصة تلائم هذه البيئة، ولا تلائم تلك، فهذا هو موضع النقص في التصوير.
كان دنيويا عصريا إنسانيا نفعيا ساخرا من طينة عادية، ولم تكن فيه صفة من هذه الصفات تناقض الأخرى، أو توضع لاستثنائها وإقصائها.
وكان إنسانا لا تنتظر منه الخوارق، ولكن الخوارق التي جاءت منه أنه كان وسطا في أشياء كثيرة، فكان عظيما لهذا التوسط القليل النظير.
وكانت ملكة العالم هي الملكة الغالبة عليه كما تقدم في الكلام على أعماله العلمية.
إلا أننا نستطيع أن نقول عنه: إنه «إنسان علمي» بمعنى غير ذلك المعنى، وهو تفسير كل خلق من أخلاقه تفسيرا علميا لا يحير الباحث ولا يدفع به في معترك النقائض والشكوك.
كل صفة فيه واقعة خاضعة للبحث العلمي والتفسير بالمبادئ العلمية، حتى الطيبة والسماحة والاعتدال.
فمن مبادئ العلم أن الطاقة تأخذ بمبدأ المجهود الأقل، وأن الأداة المحكمة هي الأداة التي تصرف كل طاقة إلى موضعها ولا تبددها.
فرنكلين كان «طيبا» علميا، وسمحا علميا، ومعتدلا في أخلاقه علميا على جميع الأحوال.
كان لا ينتقم من أعدائه، ولا يضيع جهوده في الانتقام منهم؛ لأنه عمل لا حاجة به إليه.
وكان يفضل الفضيلة ويقول بعد البحث: إن الخبثاء لو عرفوا فضلها لأصبحوا فضلاء بوحي من الخباثة؛ لأن الخلق الكريم بعد الموازنة بين الجهود الصالحة والجهود الضائعة أبقى الجهود وأنفعها وأحقها بالحرص عليه.
Unknown page