Bila Quyud
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Genres
ابتليت دراسة تطور الإنسان مرارا حين قلل بعض العلماء بشدة من شأن القدم الحقيقي لبعض مراحل التطور المهمة؛ فعلى سبيل المثال، ذكر كتاب رائد في علم الإنسان عام 1948م أنه رغم ما يحدث أحيانا «من ادعاء أحد الأشخاص أن هذه الحفريات البشرية أو تلك [يتجاوز عمرها مليون سنة] ... لا يوجد بعد اكتشاف واحد لأي شيء من الأسلاف المباشرين للبشر ... موغل في القدم إلى هذا الحد.»
3
فإن علماء الحفريات متفقون الآن أن تطور البشر قد بدأ منذ خمسة ملايين سنة على الأقل.
على غرار ذلك كان يعتقد في الماضي أن صناعة الأدوات وتطوير الثقافات والتقاليد مقتصران على البشر، لكن برهن عمل جودول وآخرين الآن بلا شك أن أنواعا أخرى من الرئيسيات تظهر أدلة واضحة على صناعة الأدوات والثقافة؛ ومن ثم يمكن بثقة افتراض أن كلتا هاتين القدرتين وجدتا بين أنواع ما قبل التاريخ التي كانت تعيش قبل ظهور أشباه البشر الأوائل.
أخيرا، حتى نهاية القرن العشرين، كان مصدر جميع أقدم بقايا الأدوات الخشبية تقريبا هو البيئات الصحراوية، وكان عمرها أقل من خمسة عشر ألف سنة (الاستثناء الوحيد كان رأس حربة واحدة عثر عليها عام 1911م في كلاكتون في إنجلترا، وذلك في رواسب تعود إلى أربعمائة ألف عام مضت تقريبا، لكن كان هذا الاكتشاف مثيرا للجدل ولم يلق القبول التام)، إلا أنه في عام 1997م عثر في موقع يعود لعصور ما قبل التاريخ، في شونينجين في ألمانيا، على مجموعة من الرماح الخفيفة الخشبية الدقيقة الصنع، يعود تاريخها يقينا إلى أربعمائة ألف سنة مضت؛ مما يثبت أن صنع الأدوات الخشبية في عصور ما قبل التاريخ كان أقدم بكثير مما كان يعتقد على وجه العموم. «لوسي» وأشباه البشر الأوائل
في عام 1974م أخرج من الأرض هيكل أحفوري شبه كامل لأنثى أوسترالوبيثيكوس منتصبة القامة في أثيوبيا. هذا الاكتشاف لهيكل يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة ملايين سنة حقق شهرة في الحال باسم لوسي، أقدم هيكل كامل يعثر عليه حتى ذاك الوقت، منتميا بلا لبس إلى السلالة البشرية. كانت لوسي أحد أفراد نوع أوسترالوبيثيكوس أفارينسيس، وهو أحد أوائل أنواع أشباه البشر الذين سكنوا أفريقيا في عصور ما قبل التاريخ. وقد أحدث اكتشافها ضجة؛ لأن حوضها وعظام ساقيها ومفصلي ركبتيها كانت جميعها مشابهة كثيرا لمثيلاتها لدينا، في دلالة على أن نوعها كان منتصب القامة تماما وقادرا على التنقل الكامل باستخدام القدمين.
أشباه البشر الأوائل مثل لوسي كانوا كائنات ضئيلة الجسم ذات بنية قوية، تقف وتسير وتعدو منتصبة القامة في يسر على الأرض كما نفعل. قد تظنهم من بعد أشخاصا قصيري القامة جدا، لكن عند الاقتراب منهم عن كثب أكثر ستلاحظ أن رءوسهم تشبه رءوس القردة - ذات جبهات قصيرة، وأسنان كبيرة، وعظام فك بارزة - وأجسادهم مغطاة بالفراء، وسواعدهم تبدو طويلة بالنسبة إلى أجسادهم، وتبدو أصابع أقدامهم طويلة بالنسبة إلى أقدامهم. بلغ طول الإناث نحو ثلاث أقدام ونصف، وبلغ وزنهن 75 رطلا تقريبا، أما الذكور فكان طولهم يزيد قليلا على أربع أقدام، ويبلغ وزنهم نحو خمسة وتسعين رطلا. كانوا يصنعون الأدوات والأسلحة، ويصطادون الحيوانات والطيور البرية ويقطعونها، ويعيشون في مجموعات أسرية ربما تشبه التي لدينا.
رغم أن نوع الأوسترالوبيثيكوس مثل لوسي كان لديهم إصبع القدم الكبيرة المستوية والمتجه باطنها إلى أسفل، كما هو الحال لدى أشباه البشر الحقيقيين، فإن أكتافهم الضيقة وأصابع أياديهم وأقدامهم الطويلة المقوسة تعطي دليلا واضحا على أنهم قضوا جزءا من حياتهم على الأقل على الأشجار، غير أن التحليل الكيميائي لعظامهم - وكذلك بنية أضراسهم - يشير إلى أن غذاءهم لم يقتصر على الطعام الموجود على الأشجار، وإنما شمل الموجود على الأرض كذلك، لكن ما داموا لم يعودوا يقتاتون بشكل رئيسي على الأوراق والفاكهة والجوز الموجودة على الأشجار، فلماذا احتفظوا بالعديد من الخصائص الجوهرية لبنيانهم المناسب لتسلق الأشجار؟ الإجابة الأرجح هي أن الأشجار وفرت أكثر الأماكن أمنا للنوم ليلا، حين كان أشباه البشر الأوائل عرضة لهجوم الضواري الضخمة في بيئتهم.
كان طول لوسي نحو ثلاث أقدام وست بوصات، ووزنها سبعين رطلا تقريبا، ولديها دماغ أكبر من دماغ الشمبانزي قليلا، وكانت تبدو من فوق الخصر كالقرد، لكن أسفل الخصر بدت مثل البشر، ما عدا أن جسدها بأكمله كان مغطى بالشعر على الأرجح. وكان حوض لوسي في طريقه ليتطور إلى التكوين المتين المعهود لدى بشر العصر الحديث والمتخذ شكل الحلقة، وهو الشكل المختلف اختلافا واضحا عن حوض القردة والسعادين الأكثر تفككا في تكوينه والأكثر استطالة في شكله.
كانت عظام ساقي لوسي طويلة ومستقيمة، مثل عظام سيقاننا، بمفصل ركبة منعقل؛ مما كان يمكنها من الوقوف لفترات طويلة دون إجهاد عضلات ساقيها، وكانت الأقدام الأحفورية التي استخلصت من اكتشافات الأوسترالوبيثيكوس الأخرى مثل أقدامنا أيضا، ذات قوس واضح المعالم ليعطي قوة دفع عند السير. كانت كل أصابع قدمي لوسي تأخذ الاتجاه نفسه - على عكس قدم القرد بإصبع قدمه الكبيرة المواجهة للأصابع الأخرى - مما يدل على أن أقدام أشباه البشر الأوائل لم تعد متكيفة على التشبث بفروع الأشجار، وإنما صارت بدلا من ذلك مثل أقدام بشر العصر الحديث متكيفة للجر والتحرك للأمام أثناء السير على الأرض. بالإضافة إلى كل هذه التغييرات التشريحية المهمة، فقدت لوسي ونوعها تماما سلاح الأسنان القوي - الأنياب الطويلة الحادة - الذي لدى ذكور كل أنواع الرئيسيات الأخرى (وبدرجة أقل إناث).
Unknown page