Bidayat Casr Batalima
بداءة عصر البطالمة: محاضرة ألقيت في المؤتمر الثامن للمجمع المصري للثقافة العلمية
Genres
ولما أن تخلصت «أرسنوية» ابنة بطلميوس الأول من أرسنوية ابنة لوسيماخوس، تزوجت من شقيقها بطلميوس وأصبحت ملكة مصر. ولم يسمع من قبل في العالم الإغريقي أن زواج شقيقين أمر مشروع، برغم شيوعه بين الوطنيين من المصريين اتباعا لتقاليد الفراعنة؛ فخزي الناس من جراء ذلك، وطال همهم. وكانت أرسنوية في ذلك الوقت قد أشرفت على الأربعين من عمرها، وهي تكبر زوجها الشقيق بضع سنوات. ولكن الإغريق ما لبثوا أن ذكروا أن بطلميوس وأرسنوية من الآلهة، وأن زواج «زوس» (213) من «هرا» (214) أحل للآلهة ما حرم على الناس.
ووصف «سوتاديس» (215) هذا الزواج في مقطوعة شعرية بأنه من المنكرات، وهو كاتب إغريقي اشتهر إذ ذاك بما في أشعاره من البذاءة وقلة الاحتشام، وقد نعته «مهفي» بأنه ند يوحنا المعمدان (216) إسرافا. وعلى رواية «أثنايوس» (217)، أنه هرب من الإسكندرية توا بعد أن أذاع أبياته، ولكن «فطروقلوس» قائد بحرية الملك أسره على بعد من شاطئ «فاريا» (219)، ورماه في البحر بعد أن سجنه في صندوق بطن بالرصاص.
31
وانتحلت أرسنوية - أو هي كنيت - اسم «فيلادلفوس»؛ أي «محبة أخيها».
32
والراجح أنها يئست من أن تنجب أولادا، فتبنت أولاد أرسنوية الأولى ابنة لوسيماخوس. ولقد وضح للعالم الإغريقي أن الخطة التي يتبعها قصر الإسكندرية في السياسة الخارجية إنما ترسمها يد أرسنوية القوية. أما القطع بما استحال إليه شعور بطلميوس إزاء ذلك، فليس في مقدور أحد أن يتكهن به. وبالرغم من أنه أظهر لها كثيرا من الاحترام والإخلاص بعد موتها، فإن هذا قلما يظهرنا على شيء ذي قيمة، ولئن لم يكن بطلميوس قد شعر بالحب الصحيح نحو أخته، فلا أقل من أن يكون قد حزن على ما افتقده فيها من الذكاء المفرط، والحزم العظيم. أما بقية حياته فأنفقها متلهيا بكثير من الحظايا والخليلات. •••
إذا جاز لنا أن نؤرخ تلك الفترة معتمدين على ما عرض لنا من عبارات «فاوزنياس» (220) المختصرة، انبغى لنا أن نثبت أنه كان من نتائج النظام الحازم الذي أقامت «أرسنوية» فيلادلفوس قواعده، أن يقضى على كل أفراد البيت الملكي غير المرغوب فيهم؛ فقتل «أرغايوس » (221) شقيق بطلميوس بتهمة التآمر على حياة الملك. وما دامت «أرسنوية» هي اليد المحركة، فليس في مقدور أحد أن يعرف: أملفقة كانت تلك التهمة أم صحيحة؟ كذلك اتهم أخوه من أبيه - ابن بطلميوس الأول من «أرديقية»، ولا نعرف اسمه - بأنه سبب قلاقل في جزيرة قبرص، وقتل جزاء ذلك.
وكانت مشكلة سورية الخالية مثار منازعات مستمرة قامت بين بيت «سلوقوس»، وبيت «بطلميوس»، ويرجح أنها انتهت بحرب فعلية في ربيع سنة 276ق.م عندما غزا «بطلميوس» سورية، على ما يظهر لنا من رقيم بابلي كتب بالخط المسماري (222). وهذه ما يدعوها محدثو المؤرخين «الحرب السورية الأولى»، ومن المتعذر أن نصوغ لها تاريخا، وغاية مستطاعنا أن نلمع إلى بعض وقائعها إلماعا، ونلم بها إلمامات تكتنفها الريب. ويوجز «فاوزنياس» في الإشارة إليها، فيقول: إن القوات المصرية انتهجت خطة الهجوم المتفرق بأن تضرب هنا ضربة تلحقها بأخرى هنالك، متخذة من الإمبراطورية السلوقية الفسيحة هدفا لضرباتها، فاستطاعت أن تشغل «أنطيوخس» عن أن يهاجم مصر نفسها.
ومن الظاهر أنه تولد في مصر شعور بتوقع الهجوم عليها من الخارج، فإن اللوح المعروف بلوح «بيثوم» (223) يثبت أن بطلميوس زار «هيرنبولس» (224) (تل المسخوطة) على برزخ السويس في يناير من سنة 273ق.م؛ ليتفقد معدات الدفاع، ورافقته «أرسنوية» كما يجب أن نتوقع، فكانت المشرف الأعلى. أما عن المصادر البطلمية فإن ما وصلنا عن هذه الحرب - لسوء الحظ - يتألف في الأكثر من صيغ تقليدية، انحدرت إلى ذلك العصر عن الفراعنة الذين غزوا آسيا، وعرفناها من نقش هيروغليفي محفوظ الآن في متحف اللوفر، ثم عبارات من قصيدة ألفها «ثيوقريطوس» (225)، تقربا من بلاط الإسكندرية.
أما اللوح الذي ذكرنا، فينبهنا فيه كهنة «سايس» (صالحجر) (226) الذين صاغوه، أن بطلميوس تلقى إتاوة المدن الآسيوية، وأنه اقتص من بدو آسيا، وأنه قطع عددا من الرقاب فأجرى الدم أنهارا، وأن أعداءه قد وجهوا إليه - ولكن عبثا - سفنا وخيلا وعربات حربية كانت في مجموعها أكثر مما يملك أمراء بلاد العرب وفنيقية أجمعين، وأنه احتفل بانتصاره فأقام الولائم والأفراح، وأن تاج مصر كان ثابتا من فوق رأسه. ومهما يكن من أمر، فإن النتائج التي انتهت إليها الحرب عبر الحدود، لم تكن لتؤثر في العبارات التي استعملها الكهنة، أو تغير معانيها عن ذلك كثيرا. أما عبارات «ثيوقريطوس»، بعد أن مجد مصر أعظم ممتلكات بطلميوس، فتجري على النسق الآتي:
Unknown page