Bidāyat al-mujtahid wa-nihāyat al-muqtasid
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
Editor
فريد عبد العزيز الجندي
Publisher
دار الحديث
Publication Year
1425 AH
Publisher Location
القاهرة
وُجُوبِهَا الْإِسْلَامُ أَمْ لَا؟ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ قَلِيلَةٌ الْغَنَاءِ فِي الْفِقْهِ، لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْحُكْمِ الْأُخْرَوِيِّ. وَأَمَّا مَتَى تَجِبُ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَأَرَادَ الْإِنْسَانُ الْفِعْلَ الَّذِي الْوُضُوءُ شَرْطٌ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِوَقْتٍ، أَمَّا وُجُوبُهُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُحْدِثِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ [المائدة: ٦] الْآيَةَ، فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ دُخُولُ الْوَقْتِ. وَأَمَّا دَلِيلُ وُجُوبِهِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هُوَ شَرْطٌ فِيهَا فَسَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُفْعَلُ الْوُضُوءُ مِنْ أَجْلِهَا، وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ.
[الْبَابُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ أَعْمَالِ الْوُضُوءِ]
الْبَابُ الثَّانِي - وَأَمَّا مَعْرِفَةُ فِعْلِ الْوُضُوءِ: فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا وَرَدَ مِنْ صِفَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: ٦] . وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْآثَارِ الثَّابِتَةِ، وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَسَائِلُ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَشْهُورَةٌ تَجْرِي مَجْرَى الْأُمَّهَاتِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَصِفَةِ الْأَفْعَالِ وَأَعْدَادِهَا وَتَعْيِينِهَا وَتَحْدِيدِ مَحَالِّ أَنْوَاعِ أَحْكَامِ جَمِيعِ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى مِنَ الشُّرُوطِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ هَلِ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥] .
وَلِقَوْلِهِ ﷺ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ. فَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهَا شَرْطٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ، وَذَهَبَ فَرِيقٌ آخَرُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَرَدُّدُ الْوُضُوءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً مَحْضَةً أَعْنِي: غَيْرَ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا الْقُرْبَةُ فَقَطْ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَحْضَةَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى النِّيَّةِ، وَالْعِبَادَةَ الْمَفْهُومَةَ الْمَعْنَى غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى النِّيَّةِ، وَالْوُضُوءُ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْعِبَادَتَيْنِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجْمَعُ عِبَادَةً وَنَظَافَةً، وَالْفِقْهُ أَنْ يُنْظَرَ بِأَيِّهِمَا هُوَ أَقْوَى شَبَهًا فَيُلْحَقَ بِهِ.
1 / 15