Bidayat Mujtahid
بداية المجتهد ونهاية المقتصد
Publisher
دار الحديث
Edition Number
بدون طبعة
Publisher Location
القاهرة
الْآيَةَ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْآيَةِ مَجَازٌ حَتَّى يَكُونَ هُنَالِكَ مَحْذُوفٌ مُقَدَّرٌ، وَهُوَ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ: أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوْضِعَ الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ عَابِرُ السَّبِيلِ اسْتِثْنَاءً مِنَ النَّهْيِ عَنْ قُرْبِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَالِكَ مَحْذُوفٌ أَصْلًا، وَتَكُونُ الْآيَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَيَكُونُ عَابِرُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرَ الَّذِي عَدِمَ الْمَاءَ، وَهُوَ جُنُبٌ.
فَمَنْ رَأَى أَنَّ فِي الْآيَةِ مَحْذُوفًا أَجَازَ الْمُرُورَ لِلْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ الْجُنُبِ الْإِقَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ.
وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ الْعُبُورَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا أَعْلَمُ لَهُ دَلِيلًا إِلَّا ظَاهِرَ مَا رُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِجُنُبٍ، وَلَا حَائِضٍ» وَهُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْحَائِضِ فِي هَذَا الْمَعْنَى هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْجُنُبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ.
مَسُّ الْجُنُبِ الْمُصْحَفَ
ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى إِجَازَتِهِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَنْعِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ مَنَعُوا أَنْ يَمَسَّهُ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَنْعِ غَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَمَسَّهُ. أَعْنِي قَوْله تَعَالَى: ﴿لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩] وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ الِاخْتِلَافِ فِي الْآيَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَنْعِ الْحَائِضِ مَسَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَنْعِ ذَلِكَ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى إِبَاحَتِهِ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ الْمُتَطَرِّقُ إِلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ ﵊ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلَّا الْجَنَابَةُ» وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ ظَنٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَحَدٌ أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ كَانَ لِمَوْضِعِ الْجَنَابَةِ إِلَّا لَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ؟ وَالْجُمْهُورُ رَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ ﵁ لِيَقُولَ هَذَا عَنْ تَوَهُّمٍ وَلَا ظَنٍّ، وَإِنَّمَا قَالَهُ عَنْ تَحْقِيقٍ.
وَقَوْمٌ جَعَلُوا الْحَائِضَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ بِمَنْزِلَةِ الْجُنُبِ، وَقَوْمٌ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا، فَأَجَازُوا لِلْحَائِضِ الْقِرَاءَةَ الْقَلِيلَةَ اسْتِحْسَانًا؛ لِطُولِ مَقَامِهَا حَائِضًا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
فَهَذِهِ هِيَ أَحْكَامُ الْجَنَابَةِ.
[أَحْكَامُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ أَنْوَاعُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]
وأما أحكام الدماء الخارجة من الرحم: فالكلام المحيط بأصولها ينحصر في ثلاثة أبواب.
الأول: معرفة أنواع الدماء الخارجة من الرحم.
1 / 55