38

Bidāyat al-mujtahid wa-nihāyat al-muqtasid

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Editor

فريد عبد العزيز الجندي

Publisher

دار الحديث

Publication Year

1425 AH

Publisher Location

القاهرة

أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْهُ فِي حَالٍ وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي حَالٍ، أَوْ حَمَلَ حَدِيثَ بُسْرَةَ عَلَى النَّدْبِ، وَحَدِيثَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى الْوُجُوبِ. وَالِاحْتِجَاجَاتُ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي تَرْجِيحِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَجَّحَهُ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي كُتُبِهِمْ، وَلَكِنْ نُكْتَةُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ اخْتَلَفَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فِي إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ أَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى سُقُوطِهِ، إِذْ صَحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَلِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلَكِنْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَطَائِفَةٌ غَيْرُهُمْ أَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ فَقَطْ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ لِثُبُوتِ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ بِذَلِكَ عَنْهُ، ﵊.
الْمَسْأَلَةُ السّادِسَةُ شَذَّ أَبُو حَنِيفَةَ فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنَ الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ لِمُرْسَلِ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَهُوَ «أَنَّ قَوْمًا ضَحِكُوا فِي الصَّلَاةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ» .
وَرَدَّ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثَ لِكَوْنِهِ مُرْسَلًا وَلِمُخَالَفَتِهِ لِلْأُصُولِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَنْقُضُهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَقَدْ شَذَّ قَوْمٌ فَأَوْجَبُوا الْوُضُوءَ مِنْ حَمْلِ الْمَيِّتِ، وَفِيهِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ، مِنْ قِبَلِ إِغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ قَاسُوهُ عَلَى النَّوْمِ، أَعْنِي أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ إِذَا كَانَ النوم يُوجِبُ الْوُضُوءَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِلْحَدَثِ غَالِبًا، وَهُوَ الِاسْتِثْقَالُ، فَأَحْرَى أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ الْعَقْلِ سَبَبًا لِذَلِكَ.
فَهَذِهِ هِيَ مَسَائِلُ الْبَابِ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا، وَالْمَشْهُورَاتُ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ نَصِيرَ إِلَى الْبَابِ الْخَامِسِ.

1 / 46