21

Bidayat Mujtahid

بداية المجتهد ونهاية المقتصد

Investigator

فريد عبد العزيز الجندي

Publisher

دار الحديث

Publication Year

1425 AH

Publisher Location

القاهرة

وَعَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ يَتَفَرَّعُ الْجَوَابُ فِيمَنْ لَبِسَ أَحَدَ خُفَّيْهِ بَعْدَ أَنْ غَسَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ وَقَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ الْأُخْرَى ; فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ; لِأَنَّهُ لَابِسٌ لِلْخُفِّ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزِّيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ: يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، مِنْهُمْ مُطَرِّفٌ وَغَيْرُهُ، وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ نَزَعَ الْخُفَّ الْأَوَّلَ بَعْدَ غَسْلِ الرِّجْلِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ لَبِسَهَا جَازَ لَهُ الْمَسْحُ، وَهَلْ مِنْ شَرْطِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى خُفٍّ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ قَوْلَانِ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ: هَلْ كَمَا تَنْتَقِلُ طَهَارَةُ الْقَدَمِ إِلَى الْخُفِّ إِذَا سَتَرَهُ الْخُفُّ، كَذَلِكَ تَنْتَقِلُ طَهَارَةُ الْخُفِّ الْأَسْفَلِ الْوَاجِبَةُ إِلَى الْخُفِّ الْأَعْلَى؟ فَمَنْ شَبَّهَ النَّقْلَةَ الثَّانِيَةَ بِالْأُولَى أَجَازَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ الْأَعْلَى، وَمَنْ لَمْ يُشَبِّهْهَا بِهَا وَظَهَرَ لَهُ الْفَرْقُ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ. الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ فَأَمَّا نَوَاقِضُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ، فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ بِعَيْنِهَا، وَاخْتَلَفُوا هَلْ نَزْعُ الْخُفِّ نَاقِضٌ لِهَذِهِ الطَّهَارَةِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: إِنْ نَزَعَهُ وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ فَطَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُمَا وَصَلَّى أَعَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ غَسْلِ قَدَمَيْهِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا رَأَى أَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ عَلَى رَأْيِهِ فِي وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي تَقَدَّمَ. وَقَالَ قَوْمٌ: طَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ حَتَّى يُحْدِثَ حَدَثًا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلٌ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ دَاوُدُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: إِذَا نَزَعَ خُفَّيْهِ فَقَدْ بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ، وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْكُوتٌ عَنْهَا. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ هُوَ أَصْلٌ بِذَاتِهِ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ بَدَلٌ مِنْ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ عِنْدَ غَيْبُوبَتِهِمَا فِي الْخُفَّيْنِ؟ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ أَصْلٌ بِذَاتِهِ فَالطَّهَارَةُ بَاقِيَةٌ وَإِنْ نَزَعَ الْخُفَّيْنِ كَمَنْ قُطِعَتْ رِجْلَاهُ بَعْدَ غَسْلِهِمَا، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ بَدَلٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِذَا نَزَعَ الْخُفَّ بَطَلَتِ الطَّهَارَةُ وَإِنْ كُنَّا نَشْتَرِطُ الْفَوْرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنْ غَسَلَهُمَا أَجَزَأَتِ الطَّهَارَةُ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ الْفَوْرُ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْفَوْرِ مِنْ حِينِ نَزْعِ الْخُفِّ فَضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُتَخَيَّلُ. فَهَذَا مَا رَأَيْنَا أَنَّ نُثْبِتَهُ فِي هَذَا الْبَابِ. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمِيَاهِ] الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمِيَاهِ - وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ بِالْمِيَاهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: ١١] وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣] وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمِيَاهِ طَاهِرَةٌ فِي نَفْسِهَا مُطَهِّرَةٌ لِغَيْرِهَا، إِلَّا مَاءَ الْبَحْرِ، فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ شَاذًّا.

1 / 29