قال سلمان جابر سلمان: فلا يداخلك شك في هذا. سنتزوج كما قلت لك، وهذا عهد مني أمام الله.
فأنصتت نفيسة باهتمام وقلبها يتابع ضرباته، لم يعد جديدا أن تسير متأبطة ذراعه في شارع من الشوارع المتفرعة عن شارع شبرا؛ حيث يغلب الظلام على جنباتها، ويقل المارة. وكان يبدو لها دائما، على دمامته وحقارته، فتى رائعا؛ لحرارة عاطفته وشدة انكبابه عليها، وكانت لهذا تحبه من أعماقها، بل باتت مجنونة به.
واعتقدت أنه الحبيب الأول والأخير. ليس لها سواه، ولن يكون لها سواه، فتعلقت به بقوة الأمل، وبقوة اليأس! وأحبته بأعصابها ولحمها ودمها، ووجدت فيه غرائزها المشبوبة العارمة أداة نجاة تنتشلها من الأعماق.
كان أول رجل بعث فيها الثقة، وطمأنها إلى أنها امرأة كبقية النساء. وكان إذا قال لها «أحبك» تخلق خلقا جديدا، فترى الدنيا - على كثافة الظلام المحيط - نورا وبهاء، بيد أنها لم تقنع بكلمات الحب، تلهفت إلى شيء آخر ليس دون الحب منزلة، أو لعلهما شيء واحد في نظرها، فلم تفتأ تستدرجه حتى قال ما قال ثم تشجعت بالظلمة وتساءلت: وماذا أنت فاعل؟!
فقال بلا تردد: كان من الطبيعي أن أعلن أبي برأيي، ثم نذهب معا إلى والدتك لنطلب يدك، أليس كذلك؟ - أظن هذا.
فتنهد بصوت مسموع وقال: يا ليت! هذا أمل بعيد المنال في الوقت الراهن.
فانقبض قلبها وتساءلت في انزعاج: لماذا؟
فقال بغيظ: أبي! .. لعنة الله عليه. رجل عجوز أحمق عنيد، ويطمع أن يزوجني من ابنة جيران التوني البقال عند تقاطع شبرا بشارع الوليد. ولست في حاجة إلى أن أقول لك إنني لم أوافق، ولن أوافق، ولكنني لا أستطيع أن أقترح عليه الزواج من أخرى في الوقت الحاضر، وإلا كان جزائي الطرد.
وأحست جفافا في حلقها، ورمقته بازدراء، ثم تساءلت في قلق: والعمل؟! - نصبر، ثم نصبر. ولن تحولني قوة في الأرض عن غايتي، بيد أنه يجب أن نأخذ حذرنا أن يفطن الرجل إلى علاقتنا. - وإلام نصبر؟
فتردد في حيرة ثم تمتم: حتى يموت!
Unknown page