al-Bidayat wa-al-nihayat
البداية والنهاية
Publisher
مطبعة السعادة
Publisher Location
القاهرة
Genres
History
الْخَوْفِ وَالذُّعْرِ لِمَا قَاسَوْا فِي سُلْطَانِهِ مِنَ الإهانة والمنكر فَشَكَوْا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ مَا هُمْ فِيهِ مِمَّا قَدْ شَاهَدُوهُ وَعَايَنُوهُ فَقَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ٢٦: ٦٢ وَكَانَ فِي السَّاقَةِ فَتَقَدَّمَ إِلَى الْمُقَدِّمَةِ وَنَظَرَ إِلَى الْبَحْرِ وَهُوَ يَتَلَاطَمُ بِأَمْوَاجِهِ وَيَتَزَايَدُ زَبَدُ أُجَاجِهِ وَهُوَ يَقُولُ هَاهُنَا أُمِرْتُ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٌ مِنْ سَادَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمُ الْكِبَارِ وَقَدْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَجَعَلَهُ نَبِيًّا بَعْدَ مُوسَى وَهَارُونَ ﵉ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إن شاء الله وَمَعَهُمْ أَيْضًا مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَهُمْ وُقُوفٌ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ بِكَمَالِهِمْ عَلَيْهِمْ عُكُوفٌ وَيُقَالُ إِنَّ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ جَعَلَ يَقْتَحِمُ بِفَرَسِهِ مِرَارًا فِي الْبَحْرِ هَلْ يُمْكِنُ سُلُوكُهُ فَلَا يُمْكِنُ وَيَقُولُ لِمُوسَى ﵇ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَهَاهُنَا أُمِرْتَ. فَيَقُولُ نَعَمْ. فَلَمَّا تَفَاقَمَ الْأَمْرُ وَضَاقَ الْحَالُ وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَاقْتَرَبَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ فِي جِدِّهِمْ وَحَدِّهِمْ وَحَدِيدِهِمْ وَغَضَبِهِمْ وَحَنَقِهِمْ وَزَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَوْحَى الْحَلِيمُ الْعَظِيمُ الْقَدِيرُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ إِلَى موسى الكليم أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ ٢٦: ٦٣ فَلَمَّا ضَرَبَهُ يُقَالُ إِنَّهُ قَالَ لَهُ انْفَلِقْ باذن الله ويقال إنه كناه بابي خلد فاللَّه أَعْلَمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ٢٦: ٦٣ ويقال إنه انفلق اثنتي عَشْرَةَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ يَسِيرُونَ فِيهِ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ صَارَ أَيْضًا شَبَابِيكَ لِيَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَاءَ جِرْمٌ شَفَّافٌ إِذَا كَانَ مِنْ وَرَائِهِ ضِيَاءٌ حَكَاهُ. وَهَكَذَا كَانَ مَاءُ الْبَحْرِ قَائِمًا مِثْلَ الجبال مكفوفا بالقدرة العظيمة الصادرة من الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ وَأَمَرَ اللَّهُ ريح الدبور فلقحت حَالَ الْبَحْرِ فَأَذْهَبَتْهُ حَتَّى صَارَ يَابِسًا لَا يَعْلَقُ فِي سَنَابِكِ الْخُيُولِ وَالدَّوَابِّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخافُ دَرَكًا وَلا تَخْشى. فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى ٢٠: ٧٧- ٧٩ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا آلَ أَمْرُ الْبَحْرِ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ بِإِذْنِ الرَّبِّ الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ الْمِحَالِ أُمِرَ مُوسَى ﵇ أَنْ يَجُوزَهُ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَانْحَدَرُوا فِيهِ مُسْرِعِينَ مُسْتَبْشِرِينَ مُبَادِرِينَ وَقَدْ شَاهَدُوا مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ مَا يُحَيِّرُ النَّاظِرِينَ وَيَهْدِي قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا جَاوَزُوهُ وَجَاوَزَهُ وَخَرَجَ آخِرُهُمْ مِنْهُ وَانْفَصَلُوا عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِ أَوَّلِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ إِلَيْهِ وَوُفُودِهِمْ عَلَيْهِ فَأَرَادَ مُوسَى ﵇ أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ لِيَرْجِعَ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَكُونَ لِفِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ وَصُولٌ إِلَيْهِ. وَلَا سَبِيلٌ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ الْقَدِيرُ ذُو الْجَلَالِ أَنَّ يَتْرُكَ الْبَحْرَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ كَمَا قَالَ وَهُوَ الصَّادِقُ فِي الْمَقَالِ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ. وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ. فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ. فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ. كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْمًا آخَرِينَ. فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ. وَلَقَدْ
1 / 271