230

al-Bidayat wa-al-nihayat

البداية والنهاية

Publisher

مطبعة السعادة

Publisher Location

القاهرة

Genres

History
مَدِينَةٍ آمَنَتْ بِالْمَسِيحِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِهَذَا احدى كانت المدن الأربع التي تكون فيها بتاركة النَّصَارَى وَهُنَّ أَنْطَاكِيَةُ وَالْقُدْسُ وَإِسْكَنْدَرِيَّةُ وَرُومِيَّةُ ثُمَّ بَعْدَهَا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَلَمْ يُهْلَكُوا وَأَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ أُهْلِكُوا كَمَا قَالَ فِي آخِرِ قِصَّتِهَا بَعْدَ قَتْلِهِمْ صِدِّيقَ الْمُرْسَلِينَ (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ٣٦: ٢٩ لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الرُّسُلُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ بُعِثُوا إِلَى أَهْلِ أَنْطَاكِيَةَ قَدِيمًا فَكَذَّبُوهُمْ وَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ عُمِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ. فَلَمَّا كَانَ فِي زَمَنِ الْمَسِيحِ آمَنُوا بِرُسُلِهِ إِلَيْهِمْ فَلَا يُمْنَعُ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ هِيَ قِصَّةُ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ فَضَعِيفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الرُّسُلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا ٣٦: ١٣ يعنى لقومك يا محمد (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) ٣٦: ١٣ يَعْنِي الْمَدِينَةَ (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) ٣٦: ١٣- ١٤ أَيْ أَيَّدْنَاهُمَا بِثَالِثٍ فِي الرِّسَالَةِ (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) ٣٦: ١٤ فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ كَمَا قَالَتِ الْأُمَمُ الْكَافِرَةُ لِرُسُلِهِمْ يَسْتَبْعِدُونَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا بَشَرِيًّا فَأَجَابُوهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّا رُسُلُهُ إِلَيْكُمْ وَلَوْ كُنَّا كَذَّبَنَا عَلَيْهِ لَعَاقَبْنَا وَانْتَقَمَ مِنَّا أَشَدَّ الِانْتِقَامِ (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ٣٦: ١٧ أَيْ إِنَّمَا عَلَيْنَا أَيْ نُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) ٣٦: ١٨ أَيْ تَشَاءَمْنَا بِمَا جِئْتُمُونَا بِهِ (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) ٣٦: ١٨ بِالْمَقَالِ وَقِيلَ بِالْفِعَالِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) ٣٦: ١٨ فوعدوهم بالقتل والإهانة. (قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) ٣٦: ١٩ أَيْ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) ٣٦: ١٩ أَيْ بِسَبَبِ أَنَّا ذَكَّرْنَاكُمْ بِالْهُدَى وَدَعَوْنَاكُمْ إِلَيْهِ تَوَعَّدْتُمُونَا بِالْقَتْلِ والإهانة (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ٣٦: ١٩ أَيْ لَا تَقْبَلُونَ الْحَقَّ وَلَا تُرِيدُونَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) ٣٦: ٢٠ يَعْنِي لِنُصْرَةِ الرُّسُلِ وَإِظْهَارِ الْإِيمَانِ بِهِمْ (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْئَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ٣٦: ٢٠- ٢١ أَيْ يَدْعُونَكُمْ إِلَى الْحَقِّ الْمَحْضِ بِلَا أُجْرَةٍ وَلَا جِعَالَةٍ. ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ مِمَّا لَا يَنْفَعُ شَيْئًا لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ (إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ٣٦: ٢٤ أي إن تركت عبادة الله وعبدت معه ما سِوَاهُ ثُمَّ قَالَ مُخَاطِبًا لِلرُّسُلِ (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) ٣٦: ٢٥ قِيلَ فَاسْتَمِعُوا مَقَالَتِي وَاشْهَدُوا لِي بِهَا عِنْدَ رَبِّكُمْ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَاسْمَعُوا يَا قَوْمِي إِيمَانِي بِرُسُلِ اللَّهِ جَهْرَةً. فَعِنْدَ ذَلِكَ قَتَلُوهُ. قِيلَ رَجَمًا. وَقِيلَ عَضًّا وَقِيلَ وَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ وَحَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَطِئُوهُ بأرجلهم حتى أخرجوا قصبته. وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ كَانَ اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ حَبِيبَ بْنَ مُرَى ثُمَّ قِيلَ كَانَ نَجَّارًا وَقِيلَ حَبَّالًا. وَقِيلَ إِسْكَافًا. وَقِيلَ قَصَّارًا وَقِيلَ كَانَ يَتَعَبَّدُ فِي غَارٍ هُنَاكَ فاللَّه أَعْلَمُ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ قَدْ أَسْرَعَ فِيهِ الْجُذَامُ وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ قَتَلَهُ قَوْمُهُ. ولهذا قال تعالى

1 / 230