وذهب إلى مكتبه مبكرا في اليوم التالي، ثم استدعى الشاب إلى مقابلته، وبمجرد أن رآه وهو يقترب من مكتبه في أدب كاذب، وثبت في باطنه رغبة جنونية في الانقضاض على رقبته الغائرة بين كتفيه وخنقه. غير أنه رمقه بنظرة طبيعية هادئة، كأنما لم يؤرقه ليلة كاملة وقال: لنعد إلى حديثك الغريب، الحق أنه يهمني أن أعرف كل شيء.
وجلس عبد الفتاح في خضوع، وأعاد على مسمعه خلاصة ما قاله أمس، فسأله: ألا يجوز أن تكون واهما؟
فأجاب بهدوء معذب: الواقع أنني لم أصدق عيني بادئ الأمر، دققت النظر طويلا، ولكي أقطع الشك باليقين، رجعت إلى شهادة المعاملة الخاصة بالإعفاء من التجنيد، فتأكد لدي أن ثمة فارقا في العمر بين الشهادتين مقداره عامان.
وساد صمت أليم. غض المراقب عينيه في استسلام نهائي، وهو يتأذى بنظرة خصمه على صفحة وجهه. إنه يطالبه بثمن السكوت. وعندما ينطق الصمت بما يضمره سيتردى في هوة الجريمة، وهو في كامل وعيه بما يصنع هذه المرة. سيخطو الخطوة الأولى في طريق قذرة لا نهاية لها. أجل لا نهاية لها. وأسر لا قرار له. آه! أما من وسيلة لدفنه؟! وسأله: وبعد؟
ارتبك الشاب قليلا، ثم قال: قلت يجب أن أخبر سيادتك أولا. - وثانيا؟
إنه ينظر في الأرض؛ ليخفي انفعالاته الشريرة. إنه لا يريد أن يموت ولا أن يختفي كشبح! - ألا تريد أن تتكلم؟
ولما لم يسمع منه جوابا سأله بصوت غريب في نبرته: ماذا تريد؟
وبصوت ضعيف أجاب: لا شيء إلا ما يرضيك، لم أقصد إلا أن أؤدي خدمة لك، أنت رجل نبيل، وسأترك أمري لتقديرك. - تكلم أرجوك. - أنا آسف جدا لموقفي هذا، ولكنها .. ولكنها فرصتي الوحيدة. - وهي؟
قال بضبط نفس أكثر: يا سيادة المراقب أنت أدرى.
قال وهو يشعر بذل لم يشعر بمثله من قبل: ما ترتيبك في الأقدمية؟ - لا أمل لي في ترقية بالأقدمية، علي أن أنتظر خمس سنوات. - وإذن؟
Unknown page