الفصل الثالث عشر
السلطات التركية - مبادئها وأنظمة العدالة - مساوئ الإدارة. ***
إن قوام سلطات بيروت المتسلم، والقاضي، والمفتي، هذا إذا لم تدغم هاتان الوظيفتان الأخيرتان، ثم مأمور جمارك، وهو غالبا مسيحي ومن العوام. أما الرسوم المترتبة على دخول البضائع وخروجها، وعائدات الدولة الأخرى، فتضمن كلها - كما سبق القول عنها - في الفصل
السادس .
وهنالك أيضا إدارة صحية يرأسها مدير مسلم. إن كل هذه المؤسسات العامة التي يديرها مأمورو الحكومة أو الخاصة من الناس تتبع في منهاج أعمالها مبدأ واحدا؛ إنها تتبع الطريقة القديمة التي حررت بعض وجوهها، ولكنها لا تزال تطبق ولو بصورة خفية على الأقل؛ فالرشوة والظلم هما دائما دعامتها. وإذا كانوا لا يحاولون إلا مراعاة الظواهر فلأن السلطات العليا تبدي رغبتها في التمسك بالإصلاحات التي أقرتها البلاد. إن الباشوات هم أيضا محافظون من الطراز الأول؛ فلا يأبهون للشريعة، بل يتجاوزون حدودها على أوسع نطاق ممكن.
إنه يصح القول هنا إن مصير أهالي سوريا قد تحسن قليلا في بعض الأماكن وعند بعض الأشخاص. لقد كان ذاك المصير مشئوما في ظل النظام القديم، ثم أصبح أشد شؤما أيام المصريين، إلا أن عودة العثمانيين خففت قليلا من حدته.
وفي الزمن الذي كان يحكم فيه باسم محمد علي، كان يصح الاستشهاد بهذا المقطع من «الأطلال»
1
الذي يصور ذلك العصر:
لقد نهب الآغا الفلاح، وهكذا تضاءلت المزروعات. إن الزارع لم يستطع أن يلقي البذار لأنه حرم التسليف؛ داهمته الضريبة ولم يتمكن من دفعها، فاستدان لأنه هدد بالعصا، والمال كان مخفيا نظرا لفقد الثقة. كانت الفائدة فاحشة؛ وهكذا زادت مراباة الأغنياء في بؤس العامل.
Unknown page