فالكاثوليك الذين طردوا على التوالي من مدن سوريا التجأوا إلى لبنان - الحصن المنيع. وبفضل حكومة بيروت المسيحية تمكنوا من الاستقرار فيه لينتشروا بعد ذاك في أساكل صيدا وصور وعكا ويافا.
ويظهر أنه اعترف بالروم الكاثوليك في الشرق على عهد البابا أكليمنضوس الحادي عشر؛ فبطاركة الإسكندرية وحلب ودمشق انشقوا عن الكنيسة الشرقية في وقت واحد تقريبا، فانضموا جميعا إلى الكنيسة الرومانية. ثم ما لبث أن اقتفى أثرهم مطران بيروت.
1
نظم الكاثوليك - في مجمع عقد في دير القرقفة قرب بيروت، عام 1806 - شرائع شعبهم الدينية ونظمه. إلا أن براءة بابوية مؤرخة في 16 أيلول 1835 منعت بصورة جازمة تطبيقها. وبدون أن يؤبه للمتاعب التي يلاقيها السيد مكسيموس مظلوم، بطريرك الروم الكاثوليك في القسطنطينية، فقد دعي إلى عقد مجمع لتصحيح الأخطاء التي وردت في مقررات المجمع الأول.
إن الروم الكاثوليك يملكون في لبنان عدة أديرة للرجال والنساء، ومجموع عددهم يبلغ 18000 نسمة، وهم يقيمون بوجه خاص في زحلة، ودير القمر، والحدث، وزوق مكايل.
أما الروم الأرثوذكس فهم أقل عددا منهم في هذه البقعة من الجبل، ويقطنون بكثرة في الشويفات وحدث بيروت وبسكنتا.
وينعم الأرثوذكس بحماية روسيا، وقناصل هذه الدولة يفهمونهم دائما أن مندوبي ملك فرنسا يدافعون في الأساكل عن مصالح الكاثوليك. ويظهر أن روم دمشق التمسوا قديما حماية أحد قياصرة روسيا؛ ولهذا جرت عادتهم على إيفاد بعثة كل عام إلى بطرسبرج مؤلفة من كاهن وعلمانيين ليعربوا لجلالة القيصر عن طاعة واحترام روم سوريا مقابل قبضهم مبلغ مائة روبل يوهبونها. ولقد صرفت بادئ ذي بدء هذه القيمة بسبب هذه الحوادث السياسية، وظل بطريرك دمشق مدة ثلاثة وعشرين عاما لا يطالب بدفعها، إلا أنه لدى مرور السيد لوف كلفه البطريرك التماس مواصلة دفعها؛ فأمر الإمبراطور عام 1837 بدفعها كاملة لأول بعثة تصل. إن بلاط روسيا تعود أيضا أن يدفع جميع النفقات الأخرى التي تصرف لهذه الغاية.
تكلمت عن المتاولة في حديثي عن بعلبك، وسوف لا أذكر عنهم ها هنا إلا الشيء القليل.
فبعد أن طرد مشايعو الإمام علي من وطنهم في إحدى مقاطعات بلاد فارس، لجئوا إلى سوريا؛ فانتشروا في ضواحي حماة وحمص وبعلبك وصيدا وعكا. ثم انتهزوا فرصة انهزام الموارنة فتسللوا إلى لبنان واحتلوا القسم الممتد بين بيروت وطرابلس من الجبل حتى الساحل.
وحدث أن ثار على عهد الأمير يوسف مشايخ جبة بشري الموارنة، ومشايخ بلاد جبيل وطردوا المتاولة؛ فتراجع بعضهم إلى ضواحي بعلبك. أما البعض الآخر فاحتفظوا ببعض القرى في مقاطعتي جبيل وبشري، وكانوا فيها ذوي قوة وبأس. بيد أن الجزار أتى عليهم نهائيا إثر قتله زعيمهم. إن هذا الباشا جعل منهم فلاحين مقابل أجر معين يتقاضونه، ومذ ذاك أصبحوا يعيشون بؤساء. ثم أرهقهم تعنت الحكام المسيحيين والأتراك الذين ناهضوهم فازدادوا فظاظة وخشونة.
Unknown page