وهذا الديوان كان يغير طريقته إذا ما رأى نفسه تجاه قضية واقعة بين الموظفين الرسميين والشعب؛ فالشعب دائما هو المذنب، وخلاف ذلك لا يكون أبدا.
وهذه القاعدة كان يعرفها السواد الأعظم من الناس، حتى إن أصحاب الدعاوى أو الذين يحق لهم أن يرفعوا صوتهم بوجه الظالمين القساة كانوا يحجمون عن ادعاءاتهم لأنهم على يقين تام بأن التجاءهم إلى المحاكم لا يعود عليهم إلا برؤية أشباح ممثلي الحقيقة، وأنه يمكنهم عند التلفظ بالحكم أن يقدروا المحاباة.
لم تكن السلطات تعطي الحق صاحبه إلا إذا كانت «واسطته» قوية، أو تعضده إحدى القنصليات. والالتجاء إلى البرطيل يزيد الخير خيرا؛ إنه مركبة لا يستغنى عنها وهي - بصورة خاصة - ضرورية «للرؤساء» الذين لا يتمتعون بحماية ما، ولا يستطيعون - نظرا لضعف نفوذهم - أن يديروا دفة هذه الدسائس لتجري الرياح بما يشتهون. وإن لم يفعلوا فقضاياهم لا تنتهي، وإذا انتهت فإنما يكون ذلك ببطء، فيصح حينذاك تطبيق المثل الشرقي: يصطاد الأرنب من أعالي المركبة.
إنه لا يستطاع في البلدان التي يسود فيها الظلم أن يطرق الموضوع بصراحة دون أن يفسد كل شيء ... ومن هنا جاء تحفظ القناصل، الشاق بحد نفسه، وإن أكسبهم مظهر اللباقة والكياسة، مع أنهم لم يفطروا عليهما.
إن الإصلاحات
5 - كما سبق لي فقلت - كانت تلمس في سير أعمال المؤسسات الحكومية، ولكن طرق العدالة الحقيقية ظلت على ما كانت عليه في الماضي ملطخة ببعض المساوئ، حتى إنه لا يمكن الحصول على الحق إلا باللجوء إلى أساليب كثيرة اللف والدوران تسهل المماحكات والنتائج للذين يستفيدون منها.
وهنالك ظاهرة أخرى يجب أن تضاف إلى سابقاتها، تأييدا للفكرة القائلة: إن الأتراك هم شعب مناقضات. تلك هي وساوس المحكمين والقضاة والأئمة؛ إنهم بعد أن يساوموك في حل قضية أو استيداع ملف، يرفضون قبض المبلغ مباشرة، بل يطلبون منك أن تضعه على الأرض ليستطيعوا الحلف - فيما بعد - أنهم لم يقبضوا شيئا: لقد وجدوا المال المذكور على الأرض فالتقطوه، وهذا لا يمت إلى الإثم بصلة ما.
وبعد، فأظن أن هذه التدابير والاحتياطات الغريبة لا تؤخذ إلا تجاهنا، وفي نية خداعنا؛ لأن شعار هذه المحاكم هو أن من يدفع أكثر من سواه يربح قضيته إلى حين، وأن الدعاوى لا نهاية لها.
لا ندري كيف نفسر امتداح لافونتين لهذه المبادئ عندما يقول: «عسى أن يبت بجميع الدعاوى على الطريقة التي يتبعها الأتراك. إن الشعور العام البسيط يكون عند ذاك شريعتنا.»
صحيح أن مونتسكيو قال بعد ذلك: «لو كان الحكم المستبد عادلا لكان أحسن الأحكام.»
Unknown page