وجدت أنطوانيت في غرفة المونتاج. ولاحظت أنها صففت شعرها في عناية، وصبغت أظفار يديها بلون شفاف. وكانت ترتدي بلوزة صوفية ضيقة أبرزت صدرها الصغير.
أعددت أوراقي وقلمي، وأطفأت النور، ثم اتخذت مكاني إلى جوارها أمام المافيولا. لمست طارة الآلة بيدها، فتتابعت أمامنا اللقطات الخاصة بسقوط تل الزعتر.
أوقفت الآلة فجأة، وقالت: هل من الضروري أن تسجل الفصل التالي؟ إنه مجرد شهادات لمجموعة من النساء اللاتي أفلتن من المذبحة. وهي تغني عن كل تعليق.
فكرت لحظة ثم قلت: ربما. لكن لا بد لي من دراسة مضمون الشهادات وإيقاعها وحجمها وارتباطها بما سبقها ويتلوها من لقطات. وهذه الدراسة ستقرر مصير التعليق السابق عليها، هل يدمج فيها أم ينتهي قبلها بذروة أو بدون ذروة. سأسجل كل شيء؛ لأتمكن من العمل على راحتي.
قالت: كما تريد.
الفصل الرابع من الفيلم
نساء في مقتبل العمر أو أواسطه، الملابس بسيطة، الرءوس تحيط بها أوشحة معقودة أسفل الذقون، أصواتهن جافة لا أثر فيها لحياة، الكاميرا تستقر على كل واحدة منهن دون حركة حتى تنتهي من شهادتها.
عنوان:
أم علي سالم، خمسون عاما. «عندما هجرونا من فلسطين ذهبنا إلى الشام، ثم جئنا إلى تل الزعتر. وكنا دائما مطاردين؛ فالرقيب أبو عبود من المكتب الثاني اللبناني كان يتنصت علينا من تحت الشباك. وبعدها حبسوا زوجي بسبب المنشورات. وكل أولادي انضموا للمقاومة وهم صغار، وراحوا دورات تدريب ثم حملوا السلاح. ولم يبق عندي أحد منهم. وأنا كنت أشارك في وحدات محو الأمية اللي كانت تعمل بالمخيم، وكثيرا ما أخذ رجال المكتب الثاني زوجي وعذبوه؛ ليدلهم على مكان الأولاد، وصاروا يحضروا كل يوم يفتشوا البيت ويسألوا عن الأولاد، لكن كل هذا تغير بعد أن تولت المقاومة الإشراف على المخيمات.
وأثناء الحصار، استشهد لي خمسة أولاد في المخيم، ولما خرجنا من الزعتر أخذت معي قمصان أولادي الشهدا علشان أشم ريحتهم الغالية .. وعرفت أنهم شحطوا زوجي بعد أن ربطوا كل رجل من رجليه بحبل وكل حبل بسيارة ومشوا بالسيارات.»
Unknown page