Bayn Din Wa Cilm
بين الدين والعلم: تاريخ الصراع بينهما في القرون الوسطى إزاء علوم الفلك والجغرافيا والنشوء
Genres
ونجد في بلاد فارس نظريات جغرافية قد قامت على أمثال هذه التصورات ثم اندمجت في المتون المقدسة.
ومن هذه المآخذ ومن غيرها أعرق منها قدما، انتقل الميراث الجغرافي إلى العبرانيين. وإنك لتجد في كتبهم المقدسة جملا عديدة، خصت بالكثير في رائع التصور وجمال الوضع ترجع بك - إذا ما وقعت عليها - إلى كلتا الفكرتين المتقدمتين حينا بعد حين. فإنك كثيرا ما تعثر على قولهم: «أساس الأرض من فوق الماء»، و«ينابيع الغور الأبعد»، و«الدائرة المحيطة بسطح الغور»، و«القبة الزرقاء»، و«أعمدة السماء»، و«نوافذ السماء وأبوابها»، إلى غير ذلك من التعبيرات.
فلما أن أضربت الإنسانية بقدمها الثابت في معارج المدنية، اختمرت فكرات جديدة ونشأت آراء بكر، وعلى الأخص في ثنيات العقل اليوناني، تثبت كروية الأرض. ولقد روج هذه الآراء كثير من رجال المدرسة الفيثاغورية، وأفلاطون وأرسطوطاليس وغيرهم، على أن هذه الفكرات كانت غامضة يكتنفها الإبهام من نواح كثيرة، وتلابسها المتناقضات العقلية، غير أنها كانت أول ما فرخ من جراثيم الحق تلقاء شكل الأرض وصورتها، وظلت هذه الجراثيم حية في بيئة العقل متنقلة من جيل إلى جيل، حتى أسلم بها الزمان إلى عقول اندمج فيها الأسلوب اللاهوتي في الكنيسة النصرانية الأولى لدى إبانها، فبدأت هذه الجراثيم تشق لها نحو الحياة الدنيا طريقا مقتحمة أسياج اللاهوت، متخذة عقول مجموعة صغيرة من النابهين المفكرين ميدانا لجهادها، فأبرزوا إلى الوجود فكرة أن الأرض كرة تارة أخرى.
من آباء الكنيسة عصبة خصت بالكثير في بعد النظر وسعة العقل، سلطت عليها تقاليد المدرسة الفيثاغورية ترجيحا، وفكرات أفلاطون وأرسطوطاليس تحقيقا، أرادوا أن يذعنوا للقول بأن الأرض كرة، لو لم تذعر الأغلبية العظمى من ذلك الرأي جانحته إلى إنكاره. فلقد خيل إليهم أنه مهدم لنصوص التوراة. وما عنوا بذلك في الواقع إلا أنه مهدم للتفاسير التي فسروا بها التوراة، لا للتوراة نفسها. وكان «إيوسبيوس»
Eusebius
أول من حمل السلاح وأعلن الحرب.
مضى «إيوسبيوس» مقتنعا بما جاء في الإنجيل من قرب فناء الأرض وهلاك أهلها؛ ولذلك تراه في كل ما كتب قانعا بأنه ليس من شأنه أن ينقض الفكرة في كروية الأرض لأنها غير صحيحة علميا، بل لأن التفكير في مثل هذه الأشياء جهد ضائع وعمل بائر. قال موجها الكلام إلى الباحثين: «إننا لا يجب أن نفكر في مثل هذه الأشياء، لا لأننا نجهلها، بل لأننا نزدري عملا تذهب نتائجه سدى؛ ولهذا يجب أن نوجه بأرواحنا في سبيل أتم نفعا وأسرع إنتاجا. وقال «باسيل»
Basil - الذي عاش في قيصرية
Caesarea - إنه لمن أتفه الأشياء أن نعرف إذا كانت الأرض كرة أو أسطوانة أو قرصا أو أنها مقعرة الوسط.» وأشار «لاكتانتيوس»
Lactantius
Unknown page