Batl Fatif Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Genres
وارتبكت السياسة الفرنساوية لأن الأميرال روسين تجاوز التعليمات، فأوقفها موقف العداء تجاه روسيا، وموقف الخصام لمحمد علي، ولم يكن باستطاعتها أن تتجاوز عن كرامتها فتعلن استنكار عمل ذلك السفير الذي نفذ سياسته الشخصية لا سياسة حكومته، كما قال الملك لويس فيليب لكلوت بك عندما قابله ليبسط له خطأ سياسة الأميرال روسين مع محمد علي صديق فرنسا. ذلك ما كان من أمر الدول في اتفاق 21 فبراير.
أما في مصر، فإن الفكر السائد بعد وصول خليل رفعت باشا كان على أن الصلح قد تم، ولكن وصول رسول الأميرال روسين يحمل اتفاق 21 فبراير وكتب التهديد منه لمحمد علي وإبراهيم وقع وقوع الصاعقة.
فالكبتن أوليفيه وصل إلى الإسكندرية في 3 مارس على البارجة مزانج، وفي اليوم ذاته قدمه القنصل ميمو إلى محمد علي، فقدم نص الاتفاق وكتاب الأميرال روسين إلى محمد علي وصورة من كتابه إلى إبراهيم. ففي الجلسة ذاتها أمر محمد علي أمين سره بوغوص بترجمة ذلك، وكان محمد علي يقاطع المترجم بعبارات الاستياء والاستنكار، ولما ذكر المترجم «عكا وطرابلس والقدس » هز محمد علي رأسه وضحك ضحكة الاستهزاء. ولما انتهى بوغوص من تلاوة الاتفاق والكتب قال محمد علي:
إذا كانت الدول التي يهمها أمر مصر أكثر من سواها قد تخلت عني بهذا الشكل، فأنا أعتبر ذلك منها حكما علي بالموت. ولكني أعرف كيف أموت شريفا وكيف أجعل موتي مجيدا كما كانت حياتي مجيدة. وإني أقابل الحكم وسيفي في يدي، وإذا أنا قبلت مثل هذا الثمن بعد نصري فإن الباب العالي يعود بعد سنة أو سنتين إلى إصلاح قواته، وإلى دس الدسائس التي أكون ضحيتها. فالأفضل أن أعرف كيف أموت منذ اليوم.
وكان الأميرال روسين يهدده إذا لم يقبل شروطه باستدعاء الضباط الفرنسيين من جيشه البري ومن أسطوله. ويقول المسيو ميمو إنه هو والكبتن أوليفيه تعبا في إقناعه بأن فرنسا التي عاونته وهي تعجب به لا تريد به شرا. فظل على قوله «إنه ضحية مكيدة يراد منها هلاكه» إلى قوله لهما بكل شدة «إنه متمسك بالمقترحات التي سلمها لخليل رفعت باشا، وإنه لا يحيد عنها قيد شعرة؛ وهي إعطاؤه سوريا كلها وأدنه، وإنه هو وإبراهيم ابنه يعرفان كيف يسقطان في ميدان المجد والشرف.»
قال المسيو ميمو: وعدت إليه في اليوم التالي وبينت له أن نتيجة الرفض ستكون سيئة؛ لأن فرنسا تستدعي من جيشه وأسطوله جميع ضباطها، وأن الأسطولين الفرنساوي والإنكليزي يطوفان السواحل المصرية والسورية، واستحلفه بأن يقبل الصلح. فأجابه:
إن ظهور الأسطول الروسي في الآستانة مكيدة مدبرة بين الرجال المابين والروس الذين اشتروهم بالمال. وهم غنموا فرصة وصول الأميرال روسين الذي يعرفون خلقه وتسرعه ليدفعوه فيما اندفع فيه. وخسرو باشا هو عدوي، وقد طلب الروس لإستامبول بينما كان مندوبه يفاوض هنا بالاتفاق. أما الآن فقد انتهى كل أمر، فكيف تدخلت الدول الأوروبية الآن مع أن المتفق عليه معها كان ترك هذا النزاع العائلي وشأنه، بل كيف يوقعون اتفاق 21 فبراير ويضمنون تنفيذه بغياب أحد الخصمين؟ وكيف يجوز لهم أن يعتبروا الغالب مغلوبا؟ أنا لا أصدق أن فرنسا وإنكلترا تقدمان على هدم دولة تعد كل واحدة منها وجودها مفيدا لها. وظهور الأسطولين الفرنساوي والإنكليزي على سواحل مصر لا يمنع وجود الأسطول الروسي تحت سراي السلطان محمود.
والظاهر أن أوروبا تجهل مسألة مصر، فهم يظنون أني أطلب الاستقلال، وأنت تشهد أني لم أطلب ذلك، بل كان قصدي وغايتي النهوض بالسلطنة وتوطيد أركانها، وأن أزيد أراضيها وأن أضاعف قوتها بمضاعفة القوة المصرية. وبهذه الوسيلة نحول دون غزوات روسيا، وننهض بالأمة الإسلامية لندفع عن بلادها التي يستولي عليها عدوها الطبيعي قطعة قطعة وشطرا شطرا.
رفض محمد علي كما رفض إبراهيم قبله التسليم باتفاق سفير فرنسا والباب العالي، وسلم محمد علي في 8 مارس للكبتن أوليفيه رده على كتاب الأميرال، وقد قال فيه:
إن الأمة كلها في جانبي، وإذا أنا أردت إثارة الرومللي والأناضول، فأنا قادر بالاتفاق مع الأمة على كل شيء، وقد بسطت سيادتي على جميع البلاد، وانتصرت في جميع المعارك، ولما جاءني من لسان حال الأمة ومن الذين يتكلمون باسمها أنهم يولوني حكم سوريا، أوقفت جيشي عن الزحف حقنا للدماء، ولمعرفة ميول السياسة الأوروبية. فهل يكون اليوم ثمن الهوادة التي عملت بها بعد تلك الضحايا الكبيرة من أجل أمة دعتني إليها وانضمت إلي وأنالتني النصر بعد النصر، ترك البلاد التي احتللتها؟ وأن يطلب مني سحب جنودي إلى مقاطعة صغيرة تسمونها الولايات الأربع؟ إن هذا لا يكون، وإن في هذا الحكم علي بالإعدام السياسي.
Unknown page