Batl Fatif Ibrahim
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
Genres
أما السبب الذي يدعونا لطلب أضاليا وأدنه، فهو شدة حاجتنا إلى الخشب؛ لأن مستقبل أسطولنا معلق على ذلك ما دامت بلادنا محرومة من الخشب. وأنت تذكر أن إنكلترا منعت ورود الخشب إلينا، فاضطررنا أن نلجأ إلى النمسا التي أزعجنا رفضها إزعاجا لا نستطيع نسيانه. وهل من حاجة بي لأبين شدة حاجتنا إلى الخشب؟ فأنت أنت ذاتك قلت لي في الأمر الذي أصدرته حديثا: «كما أنه يجب عليك أن لا تهمل وسيلة من الوسائل لصد الجيش التركي ، كذلك يجب عليك أن تعمل كل ما باستطاعتك عمله للحصول على الخشب.»
أما ضم قبرص إلى مصر فهو أيضا لازم لا مندوحة عنه لسببين؛ الأول: ليكون مركزا لأسطولنا، والثاني: لمنع الباب العالي من أن يكون له طريق إلى أملاكنا. وإذا شئت أن تطلب بغداد فلا مانع من طرح هذه المسألة على بساط البحث على أن نتنازل عنها في المستقبل؛ لأن هذه الولاية لا تنفع شيئا، وهي كسنار بعيدة جدا عن مصر وتتطلب نفقات باهظة.
هذا ما أعرضه على مسامعك وأوجه إليه - مع منتهى الاحترام - أنظارك.
أما محمد علي، فإنه كان يكتفي بسوريا وأدنه، بينما إبراهيم كان يتعرض إلى تأليف دولة بحرية قوية. كان محمد علي يرى بمصر وسوريا وبلاد العرب والسودان دولة كبيرة وبعيدة عن الاحتكاك بأوروبا، خلافا لإبراهيم الذي لم يكن يخشى الاحتكاك بالدول الأوروبية.
وفي 30 يناير وصل الخبر إلى الآستانة بأن إبراهيم قام من قونيه إلى كوتاهيه فأمر السلطان ريس أفندي بأن يقابل المسيو بوتيف سفير روسيا ويطلب منه إنجاز الوعد الذي وعد به القيصر وهو إرسال 20 إلى 25 ألف جندي. ولما وصل إبراهيم إلى قره حصار؛ أي على مسيرة 40 ساعة من بورصة، طلب السلطان من سفيري فرنسا وإنكلترا إيقافه عن التقدم، فاشترط سفير إنكلترا أن يسترد السلطان الطلب الذي طلبه من الروس، ولكن محمد علي كان قد أمر إبراهيم بالوقوف في كوتاهيه، فأبلغ إبراهيم ذلك للقائمقام ولسفير فرنسا. ووصل الجنرال مورافيف إلى إستامبول من الإسكندرية وأبلغ الباب العالي أن محمد علي أصدر أمره إلى إبراهيم بالتوقف أمامه، ولكنه نصح الباب العالي بأن لا يغتر بذلك وبأن يتخذ الحيطة، ولكن سفيري إنكلترا وفرنسا استندا إلى جهر محمد علي بالخضوع للسلطان وبأمره إبراهيم بالوقوف، فطلبا استرداد الطلب الموجه إلى قيصر روسيا، ولكن الباب العالي لم يعدل عن ذلك.
وقام الأسطول الروسي من سيبستابول في 14 فبراير، وصدر الأمر إلى الجنرال كيسليف باجتياز الرومللي بجيشه إلى الآستانة وصدر الأمر إلى قومندان أوديا بحشد جيشه.
وفي 20 يناير وصل الأميرال روسين الفرنساوي بأسطوله إلى الدردنيل، وأبلغ الباب العالي أنه يدافع عن مصلحته أمام إبراهيم باشا إذا هو استرد طلبه من روسيا، ولكن الأسطول الروسي وصل إلى البوسفور في 19 فبراير، فأبلغ الأميرال الفرنساوي الباب العالي أن وصول الأسطول الروسي يذهب عن الباب العالي كل استقلال، وأن وجود السفير الفرنساوي أصبح عبثا.
ولما وصل ذلك إلى ريس أفندي أرسل رسله إلى الأميرال يقنعه بأن يكون الوسيط بين إبراهيم ومحمد علي والباب العالي، على أن يعطي محمد علي ولاية عكا وطرابلس والقدس ونابلس، وأن الزيادة غير ممكنة لبقاء السلطنة. فارتضى الأميرال الوساطة على هذه الشروط، وعلى شرط خروج الأسطول الروسي من المياه التركية. وكانت حجة الأميرال أن الباب العالي لا يستطيع التنازل عن ولاية دمشق؛ لأن التنازل عنها يضعف سلطة السلطان الدينية. أما أدنه فإن السلطان بحاجة كمحمد علي إلى أخشابها.
ولما وقع الأميرال وريس أفندي مشروع الاتفاق على ذلك في 21 فبراير كتب الأميرال إلى محمد علي وإلى إبراهيم كتابين قاطعين، وطلب من محمد علي أن يستدعي في الحال جيشه؛ لا باسم مصلحته فقط، بل بحكم خلاصه وإنقاذه؛ لأن «الاعتدال صار لازما لك، والإصرار على مطالبك يوقع عليك مصائب إذا زادت جزعت لها. ففرنسا تتمسك بالعهود التي أنا قطعتها، وهي تملك القوة، وأنا ضمين إرادتها.»
وأرسل إلى إبراهيم باشا بأنه يجب عليه أن يعتبر الصلح مبرما على الشروط التي بحثها الباب العالي، ولا يمكن تغيير أي شيء في أساس هذه الشروط، بل الواجب قبولها وإيقاف القتال.
Unknown page