وكان معاوية جيد الكلام، عجيب الجواب، عظيم الحلم، صبورًا على الخصم، معتادًا للكظم، ماضي الجنان، مفلق البيان، عارفًا بالدنيا، متأتيًا لها، مالكًا لزمامها، جاذيًا لخطامها، راكبًا لسنامها؛ وكان عمرو بن العاص باقعة؛ وكان زياد أنكر القوم؛ وكان المغيرة لا يشق غباره، ولا تصطلى ناره؛ وليس علي كرم الله وجهه يجري في مضمارهم: علي بحر علم، ووعاء دين، وقرين هدى، ومسعر حرب، ومدره خطب، وفارج كرب، مضاف السبب إلى النسب، معطوف النسب على الأدب، ولكن شيعته شديدة الخلاف عليه، قليلة الانتهاء إلى أمره، وكلهم الله إلى أمرهم، وإلى الله إيابهم، وعليه جزاؤهم وحسابهم.
كتب أبو الحسن الفلكي - وكان بليغًا، وكان بصريًا ومات بأذربيجان، هكذا حدثني شيوخ المراغة - إلى أخ من إخوانه: لو لم يكن الأنس - أعزك الله - بيننا نسبًا يوجب التشارك في الأرواح دون سائر الأموال، وما يضن به من سائر الأملاك، لكان يجب أن لا أنشد مشروبًا من الراح سواك، إذ كنت أخاها في نجارها، وكانت أخلاقها أخلاقك، وأعراقها أعراقك، التي حليتها بالآداب، وفضلتها بكرم الأنساب، فكيف وأحوالنا فيما نملكه متكافية، وأمورنا فيه متساوية؟ ونحن - أعزك الله - روح اقتسمه جسمان، ونفس مثل بها شخصان، وأنت بموضع الأنس والثقة إذا انقبض سائل