والمفهوم بين نقاد «برنارد شو» أن فلسفته الأخلاقية أثبت وأوضح من فلسفته في أمور ما بعد الطبيعة، وفيما يدور على قواعد المجتمع وأنظمة السياسة.
وتقوم هذه الفلسفة على أسس ثلاثة، وهي: (1) أن الغريزة الإنسانية تضل وتخطئ، و(2) أن إصلاح خطئها وضلالها من الممكنات ومن الواجبات، (3) أن هذا الإصلاح يتم بالمعرفة والإيثار.
ففي كتابه «دليل السياسة للجميع » يقول: «إن العقل قد يخطئ أفحش الخطأ ، ولكن هكذا تخطئ البصيرة مع الغباء، ولن يصل كلاهما إلى النتائج السليمة بغير الاعتماد على الوقائع الصحيحة. فإن الدلائل والتخمينات على السواء غير سليمة، على أن الوقائع لا تقودنا دائما إلى دلائل معقولة؛ إذ ربما هاجت فينا نقمة البغضاء أو ميول العاطفة، كما تهيج فينا الآمال والمخاوف والأوهام والمطامع، داعية إلى انفجار الخوالج النفسية التي تعصف بالسداد في العقول التي لم تتدرب على دقة الحكم ونزاهة الضمير، ولا بد للقائمين بأمر المدن من أن يكونوا مولودين لعملهم ومتعلمين إياه.»
وقال في مقدمة «على الصخور»: «إنه لا شيء هو أعظم قبولا للتغيير كل التغيير من الطبيعة البشرية إذا بادر الموكلون بها مبكرين في تعهدها وتهذيبها.»
ومن أقواله التي يجريها كعادته بين الجد والفكاهة، كلمة يقول فيها من مقدمته «لحيرة الأطباء»: «إنني لم أكبر آدم دائما. إنه انتظر حتى تغويه امرأة وحتى تغوي المرأة حية قبل أن يقطف التفاحة من شجرة المعرفة، ولو كنت في موضعه لأتيت على كل تفاحة في الشجرة أول ما أدار صاحب الحديقة ظهره إلي.»
ومهما يكن من شأن المعرفة أو الحكمة أو الخلق، فهي كلها تفاهة في عرف «شو» ما لم تكن حية جياشة تضطرب بالشعور والحركة، أو كما قال على لسان لوقا في رواية «السلاح والإنسان»: «إنك تنتزع الشجاعة كلها من نفسي بحكمتك الباردة.»
ومثل ذلك قوله في مقدمة روايته «سوء التوفيق»: «إن الرجل الذي لا يملك حرية المجازفة بعنقه طيارا، أو بروحه مجتهدا مخالفا، ليس له نصيب من الحرية على الإطلاق، وحق الحرية لا يبتدئ في السنة الحادية والعشرين بل في الثانية والعشرين.»
يريد أنها حرية مولودة مع الإنسان تنمو معه بالنشأة والتجربة والتدريب، وغايتها القصوى هي البطولة التي تعلو على طبقات الناس المألوفة، وهي طبقة الإنسان المتوفز المستسلم لشهواته ومطامعه، وطبقة الإنسان البليد المطيع الذي يعبد الأقوياء وأصحاب المال، وطبقة الإنسان الذكي الموهوب صاحب الأخلاق الذي يدبر الأمور ويحكم أبناء جنسه ... «الفاجنري الكامل».
والمشكلة هي أن طالب الكمال مطالب بتحسين غيره، كما هو مطالب بتحسين نفسه، فلا غنى له - كما قال في قضية المساواة - عن أن يرفع مستوى الحياة حوله إذا أراد أن يبلغ كماله، وكل تحسين يأتي بعد ذلك طواعية متى تم هذا التحسين.
ولا يؤخذ من هذا أن «شو» يوجب الإيثار وخدمة الآخرين على البطل دون غيره، فإن الأنانية وخدمة النفس في مذهبه الأخلاقي مسخ يضير كل حي يعنيه، سواء الخلق واجتناب العلل والآفات.
Unknown page