نحتاج هنا إلى تذكر الخصائص التي يمتاز بها برنارد في مسرحياته، وأول هذه الخصائص أنه لا يبالي القواعد المسرحية، مثل «وحدة الزمان والمكان» أي إن الدرامة كلها فصل واحد أو تكاد تكون كذلك كما كان يفعل هنريك إبسن، ومثل «الحبكة» أي إننا يجب أن نجد الحوادث مرتبطة تدور حول نقطة، ومثل «الذروة» حين يخلق لنا المؤلف نقطة يزداد فيها التوتر حتى يصل إلى الذروة التي ينتظرها المتفرجون وأنفاسهم معلقة، وأخيرا «الحركة» على المسرح.
وبرنارد شو يخالف كل هذه القواعد، حتى لقد اتهم لهذا السبب بأنه حط المسرح الإنجليزي ولم يرفعه، بل هناك من يعلل صدود الجمهور الفرنسي عن دراماته بإهماله لهذه القواعد بزعم أن الفرنسيين أدق إحساسا بالفن من غيرهم.
ولكن برنارد شو هنا مقنع في رده؛ إذ هو يقول إنه ينقل الحياة إلى المسرح، وليس في الحياة حبكة، وإن يكن جمهور المتفرجين يرتاحون إليها، كما أن الحوادث لا تصل على الدوام إلى الذروة، أما عن وحدة الزمان والمكان فليست واقعية.
ولكن الذي لا يشك فيه أن برنارد شو يقصر في «الحركة»؛ فإن بعض دراماته تكاد تكون أحاديث لا أكثر، بل إن هناك موقفا في درامة «الإنسان والسبرمان» يتكون من أربعة أشخاص يتحدثون نحو ساعة بلا أدنى حركة أو تغيير، ومع أن هذا يحدث في الحياة؛ فإن الفن يقتضي طرد السأم عند المتفرجين من مثل هذا الموقف؛ لأن المسرح إمتاع كما هو تعليم.
والواقع أن برنارد شو، قبل أن يكون مؤلفا مسرحيا أو أديبا إنما هو فيلسوف؛ إذ هو لا يبالي أن يضحي بفنه من أجل فلسفته، فنحن نفهم أن الحب هو موضوع الدرامة في أكثر أحوالها وأقربها إلى أذهان الجمهور، ولكن الحب هو أبعد الموضوعات عن ذهن برنارد شو الذي قل أن يعرض له؛ إذ إن موضوعه بل جميع موضوعاته فلسفية، ونحن معه إزاء رجل يعلمنا، وهو يسلينا، أي إن التسلية وسيلة الفلسفة، وقد عيب عليه إهماله للحب، فكان جوابه أنه ليس هو الشأن الأعظم في حياتنا. وأشخاص دراماته البارزون لهذا السبب فلاسفة أو ينزعون إلى آراء فلسفية بشأن المجتمع.
ومع خلو درامات برنارد شو من «قواعد» التمثيل فإن براعته في الحوار الفلسفي تسحرنا، حتى لننسى القواعد ونحن نصغي إلى تبادل الأحاديث بين أشخاص الدرامة، ودرامة «جان دارك» لا تخلو من الحركة والحبكة، ولكننا مع ذلك نلتفت إلى الأحاديث ونحن مسحورون بمعركة الأفكار فيها، وهي معركة تمس قلوبنا حتى لنحس أننا نحن نمثل فيها، ونشترك مع أشخاص الدرامة وإن لم نكن على المسرح معهم.
ليس برنارد شو ممن يؤلفون الدرامة للدرامة أو يمارسون الفن للفن، وهو أيضا لا يكتب ما يريده العامة، ولو كان قد فعل لكان قد اكتسح جميع الذين ألفوا المسرح، وإنما هو معلم يتخذ المسرح وسيلة وليس هدفا، والاعتبار الأول عنده هو المناقشة الفلسفية بشأن الدين والفلسفة والأخلاق والعلم، كي يغير المتفرجين، ويحملهم على أن يتطوروا وعلى أن يعتمدوا على العقل والذكاء وليس على العادات والمعتقدات.
الزواج في درامات شو
من الموضوعات المحببة إلى برنارد شو في دراماته ما يذكره ويكرره بشأن موقف المرأة من الزواج؛ فإن المألوف عندنا وعند جميع الشعوب المتمدنة أن الرجل هو الذي يفتتح وسائل التعارف، وهو الذي ينطق كلمة العرض. هو يعرض والفتاة تقبل.
ولكن برنارد شو يوضح في تكرار وبسط أن هذا السلوك هو ما يظهر على سطح المباحثات قبل الزواج، أما الحقيقة فهي أن المرأة هي التي تبحث عن الرجل، وهي التي تغري وتحرض، كي ينطق هو في النهاية بالكلمة التي تدعوها إلى الزواج منه.
Unknown page