Bariqat Maḥmūdiyya fī sharḥ Ṭarīqat Muḥammadiyya wa-sharīʿat nabawiyya fī sīrat Aḥmadiyya
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
Publisher
مطبعة الحلبي
Edition
بدون طبعة
Publication Year
١٣٤٨هـ
الْمَذْكُورِ «يَعْرِضُهُ مِنْ اللَّيْلِ» فُسِّرَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ «لِيَكُونَ» الْمَقْرُوءُ «أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ»؛ لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ فِي النَّهَارِ لِتَسْهُلَ الْقِرَاءَةُ فِي لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ بِظَهْرِ الْقَلْبِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ السَّابِقِ «فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ» «، وَإِذَا أَرَادَ» عَبْدُ اللَّهِ «أَنْ يَتَقَوَّى» عِنْدَ ضَعْفِهِ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ «أَفْطَرَ أَيَّامًا» لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ امْتِثَالًا بِالْأَمْرِ السَّابِقِ «وَأَحْصَى» ضَبَطَ وَعَدَّدَ مِقْدَارَ إفْطَارِهِ مِنْ الْأَيَّامِ «وَصَامَ مِثْلَهُنَّ» لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا حُدِّدَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَرَاتِبِ بَلْ اللَّائِقُ لَهُ الْتِزَامُ مَا عَيَّنَهُ آخِرًا مِنْ صِيَامِ دَاوُد إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ أَيَّامًا وَمِنْ قَوْلِهِ مِثْلُهُنَّ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ مُرَادُهُ وَإِلَّا فَلَا يَتِمُّ أَيْضًا قَوْلُهُ «كَرَاهَةَ» إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَرِهَ «أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا» مِنْ الْحَسَنَةِ الَّتِي «فَارَقَ عَلَيْهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يَعْنِي عَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ ﵊ (وَفِي أُخْرَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ» لِعَبْدِ اللَّهِ «إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ» فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَرِفْعَةِ الدَّرَجَةِ «صِيَامُ دَاوُد ﵊ وَأَحَبَّ الصَّلَاةِ» النَّافِلَةِ «صَلَاةُ دَاوُد ﵊» بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ «كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ» مُطْلَقًا بِلَا تَعْيِينِ شَرْطٍ مِنْهُ «وَيَقُومُ ثُلُثَهُ» مِنْ بَعْدِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ «وَيَنَامُ سُدُسَهُ» بَقِيَّةَ النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَوْ مِنْ أَوَّلِهِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ نَوْمِهِ الثُّلُثَيْنِ وَقِيَامُهُ الثُّلُثُ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمَ الْقِيَامِ أَوْ تَأْخِيرَهُ أَوْ تَارَةً وَتَارَةً فَأَعْطَى حَقَّ الْجَسَدِ وَحَقَّ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ لَا فُتُورَ وَلَا مَلَلَ فِي نَفْسِ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ هَذَا الْإِطْلَاقُ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَالتَّقْيِيدُ بِلَا قَرِينَةٍ وَلَا دَلِيلٍ خِلَافُ الْأَصْلِ. لَكِنْ فِي الْإِحْيَاءِ وَقَعَ تَقْيِيدُ هَذَا الْإِطْلَاقِ فِي قِيَامِ دَاوُد
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنَامُ النِّصْفَ الْأَوَّلَ وَالسُّدُسَ الْأَخِيرَ وَيَقُومُ الثُّلُثَ مِنْ النِّصْفِ الْأَخِيرِ إذْ نَوْمُ آخِرِ اللَّيْلِ مُسْتَحَبٌّ لِإِذْهَابِ النُّعَاسِ وَصُفْرَةِ الْوَجْهِ وَمَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا وَأَنَّ نَوْمَ هَذَا الْوَقْتِ سَبَبُ الْمُكَاشَفَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ مِنْ وَرَاءِ حُجُبِ الْغَيْبِ لِأَرْبَابِ الْقُلُوبِ وَفِيهِ تَقَوِّي لِأَوْرَادِ أَوَّلِ النَّهَارِ لَعَلَّ ذَلِكَ التَّعْيِينَ مَضْمُونُ أَثَرٍ آخَرَ وَصَلَ إلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَنَسْخٌ لَيْسَ بِجَائِزٍ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا فِي الْإِحْيَاءِ أَيْضًا حِكَايَةً عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ لِإِحْيَاءِ كُلِّ اللَّيْلِ لِتَجَرُّدِهِمْ لِلْعِبَادَةِ وَتَلَذُّذِهِمْ بِالْمُنَاجَاةِ إلَى أَنْ صَارَتْ غِذَاءً لَهُمْ وَحَيَاةً وَهُوَ دَأْبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَصَلَّى الْفَجْرَ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ أَرْبَعِينَ سَنَةً كَمَا حَكَى أَبُو يُوسُفَ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَصَرَّحَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَاَلَّذِي سَبَقَ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ هَذَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ يَقْتَضِي كَوْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ الصَّحَابَةِ وَأَوْرَعِهِمْ مُؤَخَّرًا عَنْ الْغَيْرِ فِي ذَلِكَ الْمَيْدَانِ كَمَا أُشِيرَ فَالْوَجْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لِأَجْلِ تَعْلِيمِ الشَّرَائِعِ وَدَفْعِ الْمَشَقَّةِ عَنْ الْكُلِّ فَالصَّنَائِعُ إنَّمَا هِيَ لِلْإِرْشَادِ لَا لِلْإِيجَابِ وَلَا الْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ «وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» حَاصِلُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ حَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى إتْيَانِ دَوَامِ الصِّيَامِ وَإِتْمَامِ اللَّيَالِي
1 / 139