دق جرس التليفون في بيت الحاج حامد بركات وكان المتحدث سعدون عبد الهادي، وسأل عن هارون. وأمسك هارون سماعة التليفون ليسمع صوت سعدون: كيف أنت يا هارون بك؟ - مرحبا. - هل تنوي المجيء إلى القاهرة قريبا؟ - أنا تحت أمرك. - أريد أن أراك في أمر يهمك. - أجيء إليك باكرا إن شاء الله. - نتغدى معا. - وهو كذلك. •••
على الغداء كانت المائدة معدة إعدادا أنيقا، وتحلق حولها أسرة سعدون وفية هانم وحميدة ووجيدة.
كان هارون يفكر تفكيرا جادا في الزواج.
وكان يعرف أن لسعدون بنتين، ولكنه لم يكن رآهما من قبل.
وكانت حميدة مقبولة السمات لا هي بالجميلة الباذخة الجمال، ولا هي أيضا على شيء مما يعاب في وجوه الفتيات، وكذلك كانت أختها. إلا أن حميدة كانت ذات شعر أسود داكن منساب تجيد التعامل معه، وتجعل منه وسيلة من الوسائل التي يكسب بها الفتيات وجوههن جمالا ورقة وعذوبة. وقد كانت حميدة وادعة، فيها طيبة وهدوء طبع، كما كانت أختها كذلك. وربما كان لشعور الفتاتين بما يدمنه أبوهما من شرب الخمر أثر في جعلهما تشعران ببعض الأسى الذي يلون هذا الهدوء، ويجعل فيه رضا بما قسمه الله لهما.
وإن لهارون عينا نافذة ظلت تنتقل بين الفتاتين في ذكاء ودهاء، حريصا دائما ألا يشعر الوالدان أو الفتاتان أنه ينعم النظر فيهما.
كان هارون فتى أقرب إلى الطول منه إلى القصر، وكان شعر رأسه مرجلا، ولم يكن بالشعر الكث، واسع الجبهة، ضامر الخدين، له ذقن مدبب، وأنف ووجه أقرب إلى الطول منه إلى الاستدارة. وكان من أولئك الناس الذين يستطيعون أن ينفذوا إلى الذين يلاقونهم بابتسامة ثابتة لا تترك فمه، ومع ذلك يستطيع أن يشيع فيها الحياة بما له من موهبة قادرة على إرضاء جميع الناس، والتلطف في الحديث إليهم، ومعرفة مواضيع الحوار القريبة إلى نفوسهم. بل وبمقدرة فائقة على الوصول في لمحة خاطفة إلى المكامن الخفية في نفوس محدثيه التي تجعلهم سعداء راضين عن أنفسهم وعنه كل الرضاء.
وانتهى الغداء وانصرفت الفتاتان، وخلا المكان بهارون وسعدون ووفية هانم.
ونظر سعدون إلى زوجته وقال: تتكلمين أنت أم أتكلم أنا؟
وفي ذكاء لماح قال هارون: إن كان لي رأي، أنا أرى أن صوت السيدات أجمل بكثير من صوت الرجال.
Unknown page