Barahin Islamiyya
البراهين الإسلامية في رد الشبهة الفارسية
Publisher
مكتبة الهداية
Edition Number
الأولى ١٤١٠هـ
Publication Year
١٩٨٩م
Genres
Creeds and Sects
وما أضله عن سواء السبيل، كيف يعارضون النصوص بهذا الكلام المموه المزخرف ويعتمدون عليه؟ وينبذون كتاب الله وراء ظهورهم؟ ويقال لهذا: قد تقدم من الآيات والأحاديث ما يدل على أن الحي لا يعلم جميع الغيب وأن علمه وإن عظم قدره بالنسبة إلى علم الله كنسبة ما يأخذه العصفور في منقاره من البحر وإذا كانت هذه حاله في الحياة فكيف بحاله بعد الممات وإطلاعه على بعض الجزئيات لا يدل على علمه بجميع المغيبات، وأيضا فالذي ذكره الفارسي لا ينتج الدعوى لأنها وإن تخلصت من الظلمات الجسمانية والكدورات البدنية فلم تخلص من التبعات الكسبية وما اجترحته في الحيلة الدنيوية، وإن تخلصت على وجه الكمال فهي مشغولة بما هي فيه من العالم الأخروي واللذة الحاصلة بالنعيم والجنة والكرامة، وعالم الأرواح عالم عظيم وحالها فيه حال لا يدرك بمجرد العقل والقياس وإنما يعرف بالنصوص الواردة في ذلك والدالة عليه.
(قال الشيخ عبد اللطيف): وأما قوله (١): ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (٢) إلى آخر ما قال من ذكرهم الله واشتعال نار الشوق والمحبة في قلوبهم وأنهم يصيرون فانين في الله باقين به، به يسمعون وبه يبصرون ونحو ذلك، فمن احتج بهذا على أنهم يعلمون الغيب فهو كمن يحتج بهذا على أنهم يتصرفون وينفعون ويضرون ويدعون لذلك، ويقال لهذا المشبه: متى ثبت أن الله أعطى أحدا من خلقه علم الغيب كليه وجزئيه في حياته أو بعد مماته ومن الذي أثبت هذا؟ حتى يقال: إن ذلك باق لهم لا يغير مع أن بعض التغير وجنسه يحصل بالموت كالتغير من الحياة إلى الممات ومن الوجود إلى الفناء، قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ﴾ (٣)، وطرد كلام الفارسي أن يقال: إنهم باقون لأن الله لا يغير
_________
(١) أي استدلال الفارسي بهذه الآية على نصر باطله.
(٢) سورة الأنفال: رقم الآية ٥٣.
(٣) سورة الرحمن: رقم الآية ٢٦-٢٧.
1 / 85