تبدت مستجيبة متحمسة، واندفعت تروي قصة جدودها كأنما كانت تنتظر هذا الإذن منذ دهر طويل.
قالت: أقدم جد سمعت عنه كان يدعى فرج، من الصعيد الجواني، وكان قويا، رزقه يأتيه من قوته، ولكنه يقبل الهدايا ولا يغتصب؛ فأحبه الجيران بقدر ما هابوه، وكان وزوجته يؤاخيان الأرواح ويعرفان الغيب.
دهش رشاد! ودهش أكثر لما طالعه في وجهها من الجدية، وما تمالك أن ضحك قائلا: هذا يعني أنه كان قاطع طريق!
فهتفت محتجة: لو كان كذلك ما حدثني عنه أحد بكلمة! - لكن هذه الأوصاف ...؟! - بهذه العقلية يا حبيبي يعتبر حكامنا الأجلاء قطاع طرق! - تعتبرينه إذن من الحكام؟ - في بيئته، لم لا؟!
وتظاهر بالتسليم ليشجعها على الاستمرار، فقال: لا يخلو رأيك من وجاهة يا جدتي.
فمضت بثقة: وبلغ المائة ولكن قدمه زلت وهو في قمة العمر.
فاشتد انتباهه، ولكنها بدت كأنما تريد أن تعبر فوق تلك النقطة، فقال بتوسل: الحقيقة يا جدتي وإلا فما جدوى الحديث؟!
فابتسمت في حياء وقالت بصوت خافت: يقال إنه أغرى بنتا في الخامسة عشرة!
فكتم ضحكة كادت تفلت منه، وهمس: شيء يفوق الخيال! - إنها زلة ولا شك، ولكنه كان فحلا! - وماذا فعل أهل البنت؟ - لا علم لي بذلك، ولكنه مات بعدها بقليل بغدرة جمل عضه.
الحق أن جدته التي استوت أمام عينيه كمثال للرصانة والقوة والثقافة، الحق أنها تملك جانبا خفيا أشبه بالأسطورة يحتار الإنسان في تقييمه. وإذا بها تسأله: ما رأيك؟ - رجل عظيم حقا ولكنني أخشى أن يسيء إلى سمعتنا في نظر الناس العاديين! - ألم تصادفك أحداث مسيئة للسمعة أكثر من زلة رجل في المائة؟!
Unknown page