بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين
........................................ صفحة : 5
AUTO موقفنا من الاطروحة
أود لدى محاولة التخطيط لأطروحة البنك اللاربوي أن أشير إلى نقطة أساسية في هذه المحاولة، وهي: أننا يجب أن نميز بصورة جوهرية بين الموقفين التاليين:
أ- موقف من يريد أن يخطط لبنك لا ربوي ضمن تخطيط شامل للمجتمع، أي بعد ان يكون قد تسلم زمام القيادة الشاملة لكل مرافق المجتمع، فهو يضع للبنك أطروحته الإسلامية كجزء من صورة إسلامية كاملة وشاملة للمجتمع كله.
ب- وموقف من يريد أن يخطط لإنشاء بنك لا ربوي بصورة مستقلة عن سائر جوانب المجتمع، أي مع افتراض استمرار الواقع الفاسد والإطار الاجتماعي اللاسلامي للمجتمع، وبقاء المؤسسات الربوية الأخرى من بنوك وغيرها، وتفشي النظام الرأسمالي مضمونا وروحا في الحياة الاقتصادية والحياة الفكرية والخلقية للناس.
ان هذين الموقفين يختلفان اختلافا أساسيا. إذ على مستوى الموقف الأول يطبق حكم الإسلام بتحريم الربا على البنك ضمن تطبيق شامل للنظام الإسلامي كله، وبذلك يؤتي تحريم الربا في
........................................ صفحة : 6
مجال التطبيق كل ثماره المرجوة، ولا يخلق مضاعفات، ويساهم مع باقي أجزاء النظام الإسلامي في تحقيق الأهداف الرئيسية التي يتوخاها الإسلام في تنظيمه الاجتماعي.
Page 8
وقد قلنا في كتاب «اقتصادنا» إن النظام الإسلامي كل مترابط الأجزاء، وتطبيق كل جزء يهيى ء إمكانيات النجاح للجزء الآخر في مجال التطبيق، ويساعده على أداء دوره الإسلامي المرسوم.
وأما على مستوى الموقف الثاني فإن تحريم الربا سوف يطبق على بنك خاص بينما يبقى غير مطبق على سائر المؤسسات النقدية والمالية الأخرى، ويبقى كثير من جوانب النظام الإسلامي معطلا في واقع الحياة. وهذه التجزئة في مقام التطبيق سوف لن تسمح للتطبيق الجزئي المحدود لفكرة تحريم الربا أن يؤتي كل ثماره، ويحقق نفس الأهداف والمكاسب التي بإمكانه أن يحققها لو وضع ضمن تطبيق شامل للنظام الإسلامي كله.
ولكن هذا لا يشكل عذرا عن التطبيق الشرعي حيث يمكن.
لأن كل حكم من أحكام الإسلام واجب التطبيق على أي حال، سواء طبقت الأحكام الأخرى أم لا. وتطبيق كل حكم يقرب المجتمع نحو إمكانية التطبيق الشامل للشريعة المقدسة.
وهكذا نعرف أن الشخص الذي يتاح له الموقف الأول يمكنه أن يصوغ أطروحة البنك اللاربوي بشكل ينطبق على أحكام الشريعة الإسلامية نصا وروحا، ويساهم في تحقيق الأهداف
........................................ صفحة : 7
الرئيسية التي يتوخاها الاقتصاد الإسلامي، من توازن اجتماعي، وعدالة في التوزيع، وغير ذلك، ولا يمنى بتناقض بين أطروحة البنك اللاربوي، وباقي جوانب المجتمع. ذلك لأن الموقف الأول يعني أن تنظم كل جوانب المجتمع على أساس الإسلام، ومع وحدة الأساس للتنظيم الاجتماعي في كل المجالات لا يبقى مجال للتناقض أو نشوء المضاعفات. إلا تلك المضاعفات التي قد تنشأ عن ضغوط المجتمعات الأخرى الربوية التي تعايش المجتمع الإسلامي.
Page 9
وعلى العكس من ذلك من فرض عليه الموقف الثاني. لأنه موقف ضيق بطبيعته إذ تفرض عليه الأرضية والإطار بصورة مسبقة، وهذا يجعل أطروحة البنك اللاربوي غير مرنة ولا حرة في اتخاذ أفضل صيغة لها من الناحية الإسلامية، بل إنها مضطرة إلى اتخاذ صيغة صالحة للعيش والحركة ضمن ذلك الإطار والأرضية، وقادرة على معاصرة البنوك الأخرى التي تواصل نشاطها الربوي حتى بعد قيام البنك اللاربوي المزمع إيجاده.
........................................ صفحة : 8
AUTO سياسة الاطروحة المقترحة
وحديثنا الآن عن أطروحة البنك اللاربوي المقترحة يجب أن يكون بروح الموقف الثاني لأن المفترض بقاء الواقع كما هو من سائر نواحيه. الاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية، والسياسية، ولو كنا نعالج الموضوع بروح الموقف الأول لكان لنا حديث غير هذا الحديث.
وروح الموقف الثاني تفرض علينا أن نفتش عن صيغة شرعية معقولة للبنك اللاربوي، ولكي تكون الصيغة المقترحة كذلك يجب أن تتوفر فيها عناصر ثلاثة:
الأول: أن لا يكون البنك المقترح مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية.
الثاني: أن يكون البنك قادرا على التحرك والنجاح في الجو الفاسد للواقع المعاش أي أن لا تخلق صيغته الإسلامية فيه تعقيدا وتناقضا شديدا مع واقع المؤسسات الربوية الرأسمالية وجوها الاجتماعي العام بالدرجة التي تشله عن الحركة والحياة.
نقول هذا فعلا، بينما لم يكن هذا التناقض الشديد ليشكل خطرا على البنك اللاربوي لو أتيح لنا الموقف الأول، إذ نستأصل حينئذ كل المؤسسات الربوية ونجتث كل جذورها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. وهكذا نعرف أن الصعوبة لا تكمن في إعطاء صيغة إسلامية لا ربوية للبنك، بل في إعطائه هذه
........................................ صفحة : 9
الصيغة مع افتراض أن يعيش ضمن الواقع الفاسد ومؤسساته المختلفة.
Page 10
الثالث: أن تمكن الصيغة الإسلامية البنك اللاربوي لا من النجاح كمؤسسة تجارية تتوخى الربح فحسب، بل لا بد للبنك اللاربوي هذا أن يكون قادرا ضمن تلك الصيغة على النجاح بوصفه بنكا، أي أن يؤدي في الحياة الاقتصادية نفس الدور الذي تقوم به البنوك فعلا، من تجميع رءوس الأموال العاطلة ودفعها الى مجال الاستثمار والتوظيف على أيدي الأكفاء من رجال الأعمال، وتمويل القطاعات التجارية والصناعية والقطاعات الأخرى بما تحتاجه من المال، وتكثير وسائل الدفع التي تعوض عن العملة وتساهم في اتساع حركة التبادل ونشاطها من شيكات (صكوك) وغيرها.
وإضافة إلى ذلك، لا بد للبنك لكي ينجح باعتباره بنكا في بلد من البلاد النامية أن يؤدي دورا طليعيا في تنمية اقتصاد البلد الذي يشكل البنك جهازا من أجهزته المالية الحساسة، وأن يساهم مساهمة فعالة في تطوير الصناعة في ذلك البلد ودفعها إلى الامام.
نستخلص من ذلك، أن سياسة البنك اللاربوي المقترح يجب أن توضع على ثلاثة أسس:
أولا: أن لا يخالف أحكام الشريعة المقدسة.
ثانيا: أن يكون قادرا على الحركة والنجاح ضمن إطار الواقع المعاش بوصفه مؤسسة تجارية تتوخى الربح.
........................................ صفحة : 10
ثالثا: أن تمكنه صيغته الإسلامية من النجاح بوصفه بنكا، ومن ممارسة الدور الذي تتطلبه الحياة الاقتصادية والصناعية والتجارية من البنوك، وما تتطلبه ظروف الاقتصاد النامي والصناعة الناشئة من ضرورة التدعيم والتطوير.
Page 11
وعلى ضوء هذه السياسة، سوف نتحدث عن الأطروحة المقترحة للبنك دون أن نتقيد بحصر نشاط البنك المقترح في نطاق الدائرة التقليدية لنشاطات البنوك التجارية (بنوك الخصم والودائع)، أو الدائرة التقليدية لنشاطات بنوك التخصص (بنوك العمال)، أو أي دائرة اخرى محدودة من هذا القبيل، بل إننا سوف نفكر في أي نشاط يمكن أن يقوم به البنك، إذا كان منسجما مع الأسس الثلاثة المتقدمة، سواء كان هذا النشاط من اختصاص هذه الدائرة أو تلك.
........................................ صفحة : 11
AUTO المعالم الاساسية للسياسة المصرفية الجديدة
يمكننا أن نلخص المعالم الرئيسية للسياسة المصرفية الجديدة التي تحدد بموجب الأسس المتقدمة فيما يلي:
أولا: الاتجاه إلى إبراز عنصر العمل البشري في النشاطات المصرفية بوصفه مصدر دخل، والاتجاه عكسيا إلى الحد من دخل رأس المال.
فبينما البنك الربوي يمارس عمله بوصفه شخصية رأسمالية، ويركز على دخله بهذا الوصف، يتجه البنك اللاربوي إلى التأكيد على صفته كعامل، ويركز على دخله المستمد من هذا الوصف.
ويتمثل هذا الاتجاه، من ناحية، في تأكيد البنك اللاربوي على العمولة بوصفها أجرة عمل واهتمامه بتوسيع نطاق دخله القائم على أساس العمولات. ومن ناحية أخرى، في تعففه عن فائدة القرض بوصفها أجرة رأس المال والممثلة لسلطانه الربوي.
وثانيا: الاتجاه إلى الاحتفاظ مهما أمكن بروح الوساطة في الدور الذي يمارسه البنك بين المودعين والمستثمرين، وصياغة موقفه القانوني منهم بصورة تجسد الوساطة.
وبالرغم من أن الظروف الربوية القاهرة التي تحيط بالبنك اللاربوي تمنعه في كثير من الأحيان من تجسيد الاتجاهات التي
Page 12