Balaghat Gharb
بلاغة الغرب: أحسن المحاسن وغرر الدرر من قريض الغرب ونثره
Genres
أجيبيني.ماذا تبتغين مني؟! وما الذي طوح بك إلي في هذه الساعة؟ وأين استلقى هذا الجسم اللطيف إلى الصباح مع أني لم أبرح مكاني وحيدا ساهرا باكيا؟ أين اضطجعت ولمن جدت بابتسامك؟ يا لك من غادرة خائنة جسورة! أمن الممكن أن تجيئيني لتقديم ثغرك لقبلي؟! فهيهات هيهات لما تبغين، وبأي شوق قبيح تجترئين أن تعانقيني بأذرع مل منها وملت؟! فاذهب واغرب عني يا خيال الخليلة، وارجع إلى رمسك إن كنت أنشرت منه، ودعني أنسى زمن صباي مدى حياتي، وإذا تذكرتك تحققت بأن لست إلا في عالم الأحلام.
الطيف :
ناشدتك الله أن تلطف ما بك؛ فإني أقشعر من حديثك، وإن جرحك أيها الحبيب مهيأ للانفجار ثانية إذ اندمل على الصديد والأذى، واها لدنيا لا تنسى مصائبها عاجلا إلا بعد كر السنين، فانس جهد استطاعتك مضض الأيام واطرد اسم هذه المرأة التي لا أريد تسميتها من ذاكرتك.
الشاعر :
خزيا لك يا من هي أول من علمتني البغض وأفقدتني الرشد من الغضب والانزعاج. تبا لك أيتها المرأة التي سحرتني بعينيها فوقعت في حبالة هذا الحب المشئوم الذي أقبر ربيعي وأيام هنائي في عالم الخيال، وإن صوتك وابتسامك ونظرك المفسد المضل لهي التي علمتني اللعن والسباب، ورماني في مهاوي اليأس صباك الفتاك وجمالك الفتان.
عار عليك فإني لم أك بعد إلا ساذجا كالطفل، وكان قلبي كزهرة في الفجر لم تتفتح من أكمامها إلا لحبك، ولا ريب أن هذا القلب الذي لم يجد له غوثا ذهب فرطا، ولو تركته براء لكان أسعد حظا، فضحا لك يا علة ضري ووسواسي يا من فجرت ينابيع الدمع من آماقي وجفوني، ولبث سائلا مسترسلا لا مجفف له نابعا من جرح لم يبرأ بعد، ولكني سأتطهر في هذا الينبوع المر علي أترك فيه درن تذكارك الممقوت.
الطيف :
حسبك ما قاسيته من هذه الخائنة، وحيث إن أمانيك لم تلبث إلا عشية أو ضحاها؛ فلا تفضح هذا اليوم حينما تذكرها، وإن أردت أن تحب فاحترم الحب.
خلق الإنسان ضعيفا فتراه لا يقوى على الغفران لمن أساءه إلا بجهد جهيد، فاغنم الراحة من عذاب البغض والحقد، وإن أعوزتك المسامحة فعليك بالنسيان، وكما أن الموتى نائمون هامدون في بطون اللحود يلزمنا أن نخمد عواطفنا في رموس القلوب. وذخائر الأفئدة المغبرة يجب علينا أن لا نمد يدا إلى بقاياها المقدسة، ولم أراك تئن من سرد مصابك وعذابك، وتبتغي أن لا تراه إلا في عالم الرؤيا أو كحب كاذب كبرق خلب. أتخال أن القضاء يسير بغير حكمة ولا سبب، وتظن أن الضربة التي أصابتك ضربة طيش، كلا فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وربما كان ما أصابك واقيا لك من أعظم منه، وقصارى الكلام أن بليتك هي التي أنارت قلبك؛ فالفادحات والأوصاب بمثابة المعلم، والإنسان كالطفل المتعلم، وبقدر الرزايا تكون المعارف، وإنها لشرعة قاسية ولكنها حكمة بالغة قديمة كالدنيا ونكدها. نحن في حاجة للبكاء لنحيا ونشعر كالحصيد يعوزه الندى ليدرك، والسرور رمزه نبات مقطوع مغطى بأزهار تميل أعناقها من الندى. ألم تشف من جنونك ولم تزل في عنفوان شبابك سعيدا محبوبا؟! وهذه المسرات الصغيرة هي التي ترغب الناس في الحياة، وإذا كنت لم تذق طعم البكاء ماذا تكون حالك؟ أكنت تهنأ بآصال تمرح فيها بين شجيرات الخلنج مع صديق قديم تشربان وتتسامران؟! أكان يسوغ لك كأسك إن كنت لم تذق طعم البشر والفرح؟! ألا تحب الأزهار والمروج والرياض وشعر بترارك
9
Unknown page