Balaghat Gharb
بلاغة الغرب: أحسن المحاسن وغرر الدرر من قريض الغرب ونثره
Genres
خاطب ربك والتمس منه أن لا يكلمنا؛ فإننا نخاف أن تعترينا غشية الموت من صوته الجهوري الرنان.
إنني بعيد عن هذا الفزع والرعب؛ فأتوسل إليك ربي إذ أتمنى غير ما تمناه بنو إسرائيل، وقد هرولت إليك والأمن ملء فؤادي لأتضرع إليك مع صموئيل
6
بكل خشوع إذ يقول:
ولو أنك الفرد الذي أخشاه لكنك الأحد العلي الذي آمل أن يسمعني: ناجني يا إلهي فعبدك منصت مطيع.
لست في حاجة لموسى ليهديني سبيلك أو لنبي غيره يفسر لي شريعتك؛ إذ أنت الذي تعلمهم وترسلهم ولا أتطلب إلا صوتك العلي، وحيث إنك مصدر ما جاءوا به من الأنوار التي كان لها الفضل في إنارة ضمائرنا؛ ففي استطاعتك إن تمنحني إياها كاملة دون توسطهم فإنهم لولاك لما كانوا شيئا يذكر.
إنهم يستطيعون أن يعيدوا كلامك، ولكنهم لا يقدرون أن يلقوا روح معناه وتأثيره؛ إذ لولاك لكان حديثهم صرخة في واد يهزأ به ويسخر منه.
ومهما صاحوا وأتوا بالعجائب في حديثهم وصدعوا بأمرك بحمية وعزيمة قوية؛ فإنهم لولا كلامك لدخل قولهم من أذن وخرج من الأخرى دون أن يؤثر على القلوب أو يجد إليها سبيلا، وإنهم يبذرون الكلم الغامض البسيط العاطل، ولكنك تنير البصائر في ظلام الجهالة الحالك، وتفيض من أعلى سمائك على رسالتهم المسئمة المملة روحا تحييها وتجعل لها قوة وتأثيرا.
أفواههم تبلغ رسالتك كالمعميات والأسرار، ولكنك تعلمنا ما خفي من المعاني، ولولا نفحاتك الربانية وفيوضك العلوية لما فهمنا ما يلقونه إلينا من شرعك وسنتك. يدلوننا على الطريق، ولكنك أنت الذي تعطينا من القوة ما تستطيع به أقدامنا سلوكه لنهايته. وكل ما يجيئنا منهم لا يتجاوز إلا الظاهر، ولكن قدرتك تنفذ إلى أعماق كل شيء.
لولاك لما سقوا إلا ظاهر النفس، ولكنها تستمد خصبها من قوتك؛ إذ كل ما ينيرها ويحمسها لا يصدر إلا من قدرتك وإرادتك.
Unknown page