Balagha Casriyya Wa Lugha Carabiyya
البلاغة العصرية واللغة العربية
Genres
ثم أن للجلباب في المصنع خطره، وهو أحيانا خطر حتى حين نركب الترام؛ لأن قماشه الفضفاض يمكن أن يتعلق بأي شيء وأن يدوسه آخر؛ فنجد الخطر ونحن لذلك - أو أكثرنا - نسلم بأفضلية البذلة الأوروبية على جلابيبنا وقفاطيننا؛ لأننا نعيش في المدن وليس في القرى.
وكذلك الشأن في الحروف اللاتينية؛ فإنها اللباس العصري للأفكار العصرية؛ أي للأفكار العلمية، ذلك أن الكلمة العلمية تشتق من أصول وتركب من مقاطع تدل على معناها لأول نظرة، كما أن النطق بحروفها اللاتينية لا يتميز؛ لأن هناك ستة حروف للعلة تضبط النطق.
وكما أن عندنا ناسا لا يزالون يتعلقون بالملابس الشرقية الفضفاضة؛ لأنهم يحبون حياة الدعة ولا يحتاجون إلى نشاط؛ كذلك عندنا ناس يكرهون الحروف اللاتينية؛ لأنهم لم يقرءوا كتابا واحدا في حياتهم؛ فلا يفهمون معنى الدقة العلمية في التعبير، وهؤلاء أيضا عبء علينا وحجر طاحون معلق بأعناق ارتقائنا.
الفصل الحادي والثلاثون
حاجتنا الحتمية إلى الحروف اللاتينية
عشت حتى رأيت نجاح الدعوة التي قمت بها منذ أكثر من ثلاثين سنة، حين قلت - وأعدت القول إلى حد الهوس - بأن الأمم المتمدنة لا تتفوق على الأمم الشرقية إلا بالصناعة وبالصناعة فقط، وأن كل ما نجد عندها من أخلاق عقلية وحريات للرجل والمرأة، وعلوم وفنون، كل هذا إنما يرجع إلى أثر الصناعة، وأن أمة صناعية لا يزيد عدد أفرادها على مليون واحد تستطيع أن تكتسح أو إذا شاءت أن تستعبد أمة زراعية عددها عشرون أو ثلاثون مليونا.
إني أكتب هذه الكلمات والشعب يكتتب في مصنع الصلب، أتدري ما هو الصلب؟ هو: المدافع والطائرات والدبابات للقوة، وهو آلات الزراعة والري والحصاد، وهو آلات الإنتاج التي ستخرج لنا الأقمشة والأحذية، وستصنع لنا حديد البناء وقاطرات السكك الحديدية والسيارات، وهو القوة في الحرب، كما هو الحضارة في السلم، هو التمدن؛ لأنه سيكسبنا أخلاق المتمدنين، أخلاق العلم، أخلاق العقل.
وهو الذي سينزعنا من الأخلاق الزراعية الإقطاعية، أخلاق العقائد والتقاليد والنظر إلى الخلف والماضي إلى النظر إلى الأمام ومستقبل الصناعة حضارة ترافقها ثقافة، وثقافة الصناعة هي العلم الذي يغذيها ويدعمها ويكشف لها ويخترع.
الصناعة أسلوب للعيش والإنتاج والارتزاق والثقافة.
هي الكتب والمعارف العلمية التي تبعث على إتقان الصناعة والاختراع فيها، وإذن نحن في حاجة - بل حاجة ملحة - إلى ثقافة علمية.
Unknown page