Balagha Casriyya Wa Lugha Carabiyya
البلاغة العصرية واللغة العربية
Genres
وهذا السخط الذي يتولانا؛ كلما فكرنا في حالنا الثقافية وتعطيل هذه اللغة لنا عن الرقي الثقافي تزيد حدته كلما فكرنا وأدى بنا التفكير إلى اليقين بأن إصلاحها مستطاع.
والقلق عام ولكن الجبن عن الابتكار أعم؛ ولذلك قلما نجد الشجاعة للدعوة إلى الإصلاح الجريء إلا في رجال نابهين لا يبالون الجهلة والحمقى مثل: قاسم أمين أو أحمد أمين حين يدعو كلاهما إلى إلغاء الإعراب أو مثل عبد العزيز فهمي حين يدعو إلى الخط اللاتيني، والواقع أن اقتراح الخط اللاتيني هو وثبة إلى المستقبل، لو أننا عملنا به لاستطعنا أن ننقل مصر إلى مقام تركيا التي أغلق عليها هذا الخط أبواب ماضيها وفتح لها أبواب مستقبلها، واقتراح عبد العزيز فهمي يحتاج أولا إلى العمل بإلغاء الإعراب الذي تعلمناه ولكن لم نعمل به قط وإلغاؤه يجعل الهجاء العربي في الخط اللاتيني سهلا، ثم هو يغنينا عن وضع الحركات في أعلى وأسفل الكلمة؛ لأن الحركات في الخط اللاتيني حروف تدخل في صلب الكلمة وللنظر في بعض الميزات التي للخط اللاتيني. (1)
فأول ذلك أننا نقترب نحو التوحيد البشري؛ فإن هذا الخط هو وسيلة القراءة والكتابة عند المتمدنين الذين يملكون الصناعة؛ أي العلم والقوة والمستقبل وهذا الخط تأخذ به الأمم التي ترغب في التجدد كما فعلت تركيا ومن المرجح أن يعم هذا الخط العالم كله قريبا. (2)
حين نصطنع الخط اللاتيني؛ يزول هذا الانفصال النفسي الذي أحدثته هاتان الكلمتان المشئومتان «شرق وغرب» فلا نتعير من أن نعيش المعيشة العصرية ولا بد أن يجر هذا الخط في إثره كثيرا من ضروب الإصلاح الأخرى مثل: المساواة الاقتصادية بين الجنسين، ومثل التفكير العلمي، ومثل العقلية بل النفسية العلمية إلخ. (3)
يمتاز الأوروبيون بقدرتهم على إيجاد المعاني الجديدة؛ بإلصاق مقاطع مشتقة من اللغتين الإغريقية واللاتينية؛ فيخلقون المعنى الجديد من الكلمة القديمة. ونحن ننتفع بهذه المقاطع إذا أخذنا بهذا الخط، ولا يمكن أن نستعمل هذه المقاطع ما دام الخط بالحرف العربي. (4)
والكلمات العلمية التي تقف عقبة شاقة في لغتنا تغدو سهلة الاستعمال بالخط اللاتيني. (5)
ثم يجب ألا ننسى أن الخط اللاتيني لا يكلفنا في تعلمه عشر الوقت الذي نقضيه في تعلم الخط العربي بل ربما أقل. (6)
وعندما نكتب لغتنا بالخط اللاتيني؛ نجد أن تعلم اللغات الأوروبية قد سهل أيضا؛ فتنفتح لنا آفاق هي الآن مغلقة.
وبالجملة نستطيع أن نقول: إن اتخاذ الخط اللاتيني هو وثبة في النور نحو المستقبل، ولكن هل العناصر التي تنتفع ببقاء الخط العربي والتقاليد ترضى بهذه الوثبة؟
الفصل التاسع والعشرون
Unknown page