تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
تمهيد
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
البخيلة
البخيلة
تأليف
أمير الشعراء أحمد شوقي
تمهيد
زمن الرواية:
سنة 1907
مكان الرواية:
القاهرة
أشخاص الرواية:
الست نظيفة: (البخيلة).
جمال:
حفيدها.
حسنى:
خادمتها.
عبد السلام:
طبيب.
رشاد:
سمسار.
عزيز:
من أبناء الذوات.
الفصل الأول
قهوة «جميل» بميدان «لاظ أوغلي»، «جمال» و«رشاد» على مائدة يتحادثان، وآخرون متفرقون، يدخل صبي القهوة بصينية عليها المطلوب من المشروبات فيناول الزبائن، ويقول: هنا سادة، هنا القرفة، هنا الشاي. ثم ينتقل إلى مائدة «جمال» و«رشاد»، ويقول: خشاف سيدي، والبانزهير لمن؟
1
جمال :
البانزهير لي أنا!
رشاد :
وشيشتي يا مصطفى؟
الصبي :
طلبتها يا سيدي (يمر بائع جرائد مناديا)
بائع جرائد :
اللوا
2
رشاد :
اللوا
تعال يا ولد
البائع :
اقروا حديث مصطفى
3
اقروا خروج المعتمد
4
رشاد :
كرومر؟ خروجه
متى؟
البائع :
غدا أو بعد غد
رشاد :
من قال ذاك؟
البائع (ويمشي) :
مصطفى
رشاد :
التفت الأفكار حو
ل مصطفى كالقائد
جمال :
وصارت الأخبار عن
د باعة الجرائد
رشاد :
آمن معي بمصطفى
كفى تعنتا كفى
والعقلاء؟
جمال :
كلهمو
رشاد :
والأذكياء
جمال :
اشربهموا
رشاد :
ما أنت؟
جمال :
لست منهمو
إني أنا مع البلد
إن قام قمت أو قعد
لم يرني فيه أحد (اثنان على مائدة يتحادثان عن جمال)
الأول :
تأمل المكثر عن إعجابه
بنفسه ينظر في ثيابه
تلفت الطاووس في إهابه
الثاني :
لله ما أظرفه! يا له فتى
قد أبدع تعالى شكله
لو كان هذا ولدي وواحدي
خرجت قبل الموت من مالي له
الأول :
من الفتى يا أخي؟
الثاني :
جمال
هذا الذي يخلف البخيله
على الدكاكين والضياع
والثروة الضخمة الجليله
هذا الذي يفترس الأكياسا
ولا يرى الأحلام إلا ماسا
فإن صحا شكا لك الإفلاسا
يأخذ من هذا وذاك بالربا
يعطى نحاسا ليرد ذهبا
وقبل كل شيء فوق ذا
الأول :
وما يقولون؟
الثاني :
عجب
الأول :
ماذا؟
الثاني :
بلاط بيتها
مركب على الذهب
الأول :
وذاك الآخر من؟
الثاني :
ذاك من السماسر
يبيع كل عامر
يصيبه وغامر
وكم وكم زوج أو
وطلق من حرائر
تلقاه في كل طري
ق كالغبار السائر
من قهوة لبيرة
لمنتدى لسامر
ويدفع الشباب في ال
وحول والمخاطر
فمن يدي مسلف
إلي يدي مقامر
ومن سموم حانة
إلى لعاب عاهر
لا يبغض الله ولا رسوله
من العباد كالمرابين فئه
الأول :
أي ربا يشترطون يا ترى؟
الثاني :
عشرون أو ما فوق ذلك في المائة
انظر إلى السمسار يسحر الفتى
وانظر إلى الغلام كيف استحسنه
عندي ألف ما ملكت غيرها
من لي بها ألفين إن فاتت سنه؟
الأول :
عندك ألف أنت؟
الثاني :
ألف ذهبا
الأول :
تريد تعطيها بفاحش الربا؟
إذن لقد كنت ترائي يا أخي
ولم تكن تقواك إلا كذبا (جمال يرفع صوته)
جمال :
بالله من ذا الحديث دعنا
وانظر معي هذه الكرنبه (ينظر إلى رجل وجيه ملفف بالثياب ومعمم ويقول)
ومن يكون الوجيه؟
رشاد :
هذا
مقاول يكبرون كسبه
وكل يوم عليه نعل
وكل يوم عليه جبه
تراكم المال في يديه
من حبة أمس صار قبه
جمال :
وما فتن الحظ بالكركدن
وما أعجب المال من سحنته؟
رشاد :
ومن عجب بعد هذا المشيب
بنى باثنتين على زوجته
ورام الزواج ببنت النقيب؟
فما قبلوه على ثروته
جمال :
وما تلك؟ من هي بنت النقيب؟
رشاد :
فتاة هي البدر في ليلته
جمال :
وما بيتها؟
رشاد :
قصر آبائها
طويل العماد عريض الغرف
جمال :
وما مالها؟
رشاد :
القصر عنوانه
أليس القصور رموز الترف؟
جمال :
وما سمعة البيت؟
رشاد :
ماذا تقول؟
أما في قديم البيوت الشرف؟
جمال :
ولم أبت الشيخ وهو الغني؟
رشاد :
وهل كل ما في الزواج المهور؟
وهل يملأ التيس عين المهاة؟
وهل تحمل الكركدن القصور؟
جمال :
رشاد أهي حلوة؟
رشاد :
وذات قصر، وكفى
جمال :
ما ضر لو أنى صا
هرت الغنى والشرفا؟
أتعرف البنت يا رشاد؟
رشاد :
وأعرف الأم يا جمال
جمال :
كيف ومن أين؟
رشاد :
لي ببي
ت النقيب من نشأتي اتصال
أمي كانت إليه تغدو
إذ أنا طفل، ولا تزال
جمال :
ماذا ترى رشاد إن طلبتها؟
ترى تردني إذا خطبتها؟
رشاد :
أصغ لي، أنت مثل ما تتمنى «زينب» تجمع الغنى والجمالا
جمال :
الغنى يا رشاد؟ إنك تهذي
رشاد :
أنا أهذي؟
جمال :
أجل، وتخلط
رشاد :
لا، لا
أنت فوق النقيب دخلا وريعا
بعد حين وأنت أكثر مالا
جدة تجعل الحديد على الما
ل وتحمي الأبواب والأقفالا
جمال :
لكنها يا صديقي
أشد مني ومنكا
رشاد :
صبرا فعما قليل
سيفرج الله عنكا
جمال :
وجمالي؟
رشاد (ويخرج مرآة) :
أفي جمالك شك؟
خذ تأمل، انظره في مرآتي
سوف تسبي فؤاد زينب
جمال :
من «زي؟
نب»؟
رشاد :
هذا يا صاحبي اسم الفتاة
جمال :
رشاد، اسمع، عقدت العزم فاذ
هب وأمك فاخطبا لي اليوم زينب
رشاد :
إذن أعطني ليرة من حسابي
وبعد غد نلتقي ها هنا
جمال (يناوله الليرة) :
قبلت فخذ
رشاد (بعد أن ينظر أمامه) :
انتظر يا جمال
بربك فالحظ قد أحسنا
فهذا أخو زينب مقبلا
فسر حيث شئت، ودعني أنا (يجلس عزيز فيتقدم إليه رشاد)
رشاد :
عزيز؟ من؟ أهلا أخي
منذ شهور لم أرك
عزيز :
رشاد أنت ها هنا؟
من ذا الذي كان معك؟
رشاد :
انظر إلى ثيابه
ولونها كيف اتحد
انظر إلى حذائه
من النظافة اتقد
والبنطلون مستو
لم ينكسر، لم ينعقد
أعرني السمع أعر
عندي لكم شيء يسر
عزيز :
ما ذاك؟ هات، ما الخبر؟
رشاد :
هذا جمال وحيد جده
بخيلة يا عزيز، جلده
عزيز :
وعمرها يا رشاد؟
رشاد :
يربو
على الثمانين
عزيز :
تلك مده
والمال؟
رشاد :
ما شئت من فدادين
ومن بيوت ومن دكاكين
والذهب الصب كل ناحية
في البيت، من مخبأ ومدفون
عزيز :
والآن ماذا تبتغي؟
رشاد :
أريده لزينبا
عزيز :
وكيف؟ هل يقبلها؟
رشاد :
كلمته فما أبى
فامض إلى أمك يا
عزيز بلغها النبأ
لقد وصفت القصر لل
أبله وصفا عجبا
ولم أزل أطري له ال
جد وأمدح الأبا
وأنعت المجد القدي
م وأحلي النسبا
وقلت عن أمك خي
را وامتدحت زينبا
عزيز :
وقد نسيتني أنا؟
رشاد :
لا. بل أطلت الكذبا
عزيز :
وما الذي قلت عني؟
رشاد :
قلت: فتى ما أفاقا
بالليل يغشى الملاهي
وبالنهار السباقا
تسألني عزيز رأيي
عزيز :
لم لا؟
ألست منذ زمن المهد أخا؟
رشاد :
أنتم عزيز يا أخي في أزمة
ولا يفك ضيقكم إلا الغنى
المال فيه وحده خلاصكم
لا بد منه اليوم أو لا فغدا
عزيز :
أجل، بغير المال لا عيش لنا
وكيف؟ من أين يجيء؟ أفتنا
رشاد :
مما نخوض فيه منذ ساعة
من الفتى؛ من موت جدة الفتى
عزيز :
وما الذي نصنع كي نصيده
لا بد من مصيدة
رشاد :
تلك أنا
اسمع أخي عزيز أنتم أسرة
لم يبق من وجودها إلا شفا
قصركمو من قدم مهدم
قد خاط فيه العنكبوت وبنى
سكنتموه ها هنا وها هنا
كالبوم، كل بومتين في فضا
ملأتموه خدما أشداقهم
دائرة على الرغيف كالرحا
انظر إلى القصور كيف أصبحت
لم يبق من مقدم ولا أغا
احتجب القوم وراء ظلها
لا يسأل البواب إلا قال: لا
عزيز :
كفى رشاد صفة
لبؤسنا، كفى، كفى
ولا تعذب مهجتي
ولا تهج لي البكا
وامض اجتهد رشاد في
تزويج أختي بالفتى
إذا كان لها أهلا
رشاد :
ولم لا يا أخي؟ لم لا؟
فتى لم يحكه الشبا
ن هنداما ولا شكلا
ولم ينكر له الإخوا
ن لا ظرفا ولا عقلا
ومن بيت يرى الناس
عليه الخير والنبلا
أبوه كان إنسانا
عزيز :
وهذا كله فضلا
عما وراء جدته
رشاد :
وعن عظيم ثروته
يا ليتني في حالته
اسمع عزيز يا أخي
أنا وأنت لا نرث
أملط يا رب كما خلقتني
راض على قلة ما رزقتني
عزيز :
دعنا من الهزل. هلا
أخذت في الجد ساعة؟
رشاد أنت صديق
ماذا ترى في البضاعة؟
ادخل بنا في الجد يا رشاد
متى تراه؟
رشاد :
في غد أراه
عزيز :
لم تقل لي عن الفتى، ما أبوه؟
رشاد :
كان فخر الرجال، كان مديرا (ثم لنفسه)
كان والله يسكع الصبح واللي
ل إلى كل حانة سكيرا
عزيز :
والفتى، كيف شغله؟
رشاد :
في الدواوين
عزيز :
إذن قد نراه يوما وزيرا
رشاد :
لم لا؟ (ثم لنفسه)
قلتها ومن أين أدري ؟
ربما صار حاجبا أو خفيرا (ثم لعزيز)
لا تسلني ما أبوه يا أخي
أو من الأم وسل ما جدته
لا ولا ما شغله؟ ما جاهه؟
في الدواوين ولا ما رتبته
فجمال في غد أو بعده
بوزيرين تساوي ثروته (بعد لحظة)
ولم لا وجدته نملة
إذا وقفت أو مشت حصلت
وتدخل في بيتها ما تصيب
ولا يخرج الدهر ما أدخلت
لو انقلبت من جميع الجهات
على القش في فمها ما انفلت
ترى المال في بيتها في اللحاف
وتحت البلاط وحشو الشلت
عزيز :
عجبت يأتي البخيل المال وهو يرى
أن البخيل إليه غير محتاج
وقل ما جاء حرا ماجدا ومشى
إلى الكريم الكثير الهم والحاج
آه ما أكثر حاجي
من بحاجاتي أناجي؟
أزمة درت فلم أل
ق لها وجه انفراج
رشاد :
عزيز أنت مفلس
عزيز :
ما شئت في ذاك فقل
رشاد :
على البلاط يا عزي
ز كلنا ذاك الرجل
عزيز :
إذن جمال صفقة رابحة
لنا كلينا
رشاد :
قد فهمت مأربي
ولست أنسى فضلكم عندي ولا
ما طوقت أمك أمي وأبي
عزيز :
اذهب إذن رشاد فاخطبه
رشاد :
لمن؟
عزيز :
لي، ولزينب، وأم زينب
رشاد :
للأم والابن وللبنت؟
عزيز :
أجل
وكل من مت لي من نسب
رشاد :
أصبت يا عزيز أنت فطن
عزيز :
لا، بل هو البؤس يفطن الغبي
رشاد :
وركوبي يا صديقي
وذهابي وإيابي؟
عزيز :
امض أنفق ما تشا واص
بر إلى يوم الحساب
أنا لو بيع بفلس
لم يجد سوقا جرابي
كلانا رشاد على زورق
كسير وموج عنيف شقي
فإن ننج بخير المتاع
وإلا غرقنا مع الزورق ••• «ثلاثة آخرون جلوس على مائدة بالقهوة»، «أحدهم يقرأ جريدة، والآخران يتحادثان».
الأول :
من ذلك المطل من لحيته
كالبغل من وراء مخلاة رنا
الثاني :
تسأل عن ذاك الذي انحنى على
صحيفة يقرا وولانا القفا؟
الأول :
أجل، أجل هذا القفا
الثاني :
هذا هو الدكتور
الأول :
من؟
الثاني :
عبد السلام مرتضى
يقرأ ما صادف من جريدة
من سطرها الأول حتى المنتهى
وتستوي صحف الصباح عنده
وصحف ظهرن من عام مضى
تذاكر الدفن التي يكتبها
في الشهر أضعاف تذاكر الدوا
وعيبه البخل
الأول :
فيه بخل؟
الثاني :
أبخل من جارتي نظيفه
الأول :
من يا أخي هذه؟
الثاني :
عجوز
في «الخط» من أسرة شريفه
ليس لها في الحياة إلا
عبادة المال من وظيفه
حتى لقد صارت حديث الحاره
وضحك الجار وسخر الجاره
كلهمو يحسدها بمالها
ويتمنى حاله كحالها
وهكذا الأنفس في ضلالها
الأول :
ما غناها يا أخي؟
الثاني :
أكثر هذا الخط مالا
الأول :
ومن الوارث إن ماتت
الثاني :
فتى يدعى جمالا
الأول :
وذلك الدكتور؟
الثاني :
هذا «مادر»
5
الجوع يا أخي ولا الأكل معه
لقد دعاني للغداء مرة
فقسم البيضة بين أربعه
وجيء بالشواء
الأول :
قل ماذا جرى؟
الثاني :
أوما إلى خادمه أن يرفعه
رأى فيه عيبا وإن لم نجد
على اللحم عيبا سوى قلته
فقد كان أنضج لحم رأيت
وقد كان كالمسك في نكهته
ومن بخله تفتح القهوات
وتغلق، وهو على «شيشته»
يقضي بها طرفي يومه
ويمضي بها طرفي ليلته
الأول :
ومرضاه؟
الثاني :
يلقاهمو في الطري
ق حينا، وحينا على قهوته (غلام يدخل القهوة صائحا)
الغلام :
أين هو الدكتور؟
أحدهما :
ذاك
الغلام (للدكتور) :
سيدي أخي سقط
تحت الترام
الدكتور :
فليكن
أو تحت وابور الزلط
فما الذي أصابه؟
الغلام :
انفلق الرأس
الدكتور :
فقط؟
هيا ولو أني ما
عالجت في الشارع قط
الغلام :
الله في عون الجري
ح منك جراح القطط
الفصل الثاني
(في منزل السيدة نظيفة) «حجرة بها دكة عليها شلتة ومخدات ثلاث - السيدة نظيفة تلبس جلابية من الشاش الأبيض، ومتعصبة بمنديل، وفي رجلها القبقاب»
نظيفة (تتكلم وحدها في الحجرة) :
منزلي حولي نظيف
وأنا الست نظيفه
وبلاطي ذاك أنقى
بكثير من صحيفه
كل ما كلفني ما
ء وصابون وليفه
لا بساط لا كليم
لا حرير لا قطيفه
غير هذي الخشبات ال
خيزرانات الخفيفه
ليس بيتي كبيوت ال
ناس أحمالا كثيفه
أنا بيتي في الهواء الط
لق والشمس اللطيفه
ودكتي تلك أغلى
لدي من ألف صفه
كم مال زوجي عليها
وكان يقطر خفه
جلست فيها عروسا
واليوم إذ أنا قفه (بعد أن ترى «حسنى» الخادمة داخلة عليها وبيدها شيء)
تعالي يا ابنتي جيئي
بماذا جئتني «حسنى؟»
حسنى :
لقد جئت بفنجان
نظيفة :
خذيه جربي البنا
وهذا شبكي
1
هاتي
حسنى :
أجل بالعود
2
قد جيت
وفي الكيس مع الدخا
ن زندان
3
وكبريت
نظيفة :
سلمت حسنى يداك
حسنى :
أنا مولاتي فداك
والآن هل آخذ خرج
4
النهار
نظيفة :
امضي خذيه إنه في «الكرار»
حسنى :
هيأته سيدتي؟
نظيفة :
أجل
حسنى :
وما أخرجت لي؟
نظيفة :
رأس من الثوم وخم
س من صغار البصل
حسنى :
والسمن مولاتي ترى؟
نظيفة :
كأمس، لم أقلل
أوقية
حسنى :
والأرز؟
نظيفة :
لا
لا يدخلن منزلي
لقد غلا سعرا ولا
يعجبني السعر الغلي
حسنى :
ليتك بالزيت افتكر
ت والدقيق والعسل
نظيفة :
ولم يا حسنى أرا
ك اليوم عادك الخبل؟
نسيت أن ها هنا
وتحت هذي الكنبه
العشرات من قدي
م الكعك والغريبه؟
حسنى :
لم أنس يا سيدتي
نظيفة :
أنت إذن مخربه؟
حسنى :
قد اشتهيت لقمة القاضي
نظيفة :
اشتهتك عقربه
وما الذي اشتريت يا «حسنى» لنا من الخضر؟
حسنى : «الباميا» كأنها الز
مرد الخام الحجر
نظيفة : «الباميا»؟ منذ متى
هذا الخضار قد ظهر؟
حسنى :
جديدة. قلت: عسى
سيدتي بها تسر
نادى المنادون علي
ها منذ أسبوع عبر
ترفل في شوكتها
وفي شبابها النضر
نظيفة :
أجل لقد أكلتها
في منزل الشيخ «عمر»
كالذهب الإبريز وال
ثوم عليها كالدرر
حسنى :
واليوم تأكلينها
نظيفة :
أمر من طعم الصبر
اشتريت غالية
مثل البواكير الأخر
حسنى :
هدية تلك
نظيفة :
وممن؟
حسنى :
من قريب لي حضر
نظيفة :
من أين جاء؟ ومتى؟
حسنى :
من الصعيد قد بكر
نظيفة :
وبم ترى جزيته؟
بقبلة مستعجله؟
امضي فتاتي واطبخي «دقية» مكمله
كأنها خلية
من عسل محمله
والثوم فيها لؤلؤ
وهي به مكلله
والعظم ...
حسنى :
واللحم ...
نظيفة :
احذري
يتعبني أن آكله
حسنى :
اللحم يا سيدتي
في «الباميا» ما أسهله
نظيفة : «حسنى» انظري
حسنى :
سيدتي
نظيفة :
على البلاط وسخ
حسنى :
الآن أغسل البلا
ط ثم أمضي أطبخ (تنسل السيدة إلى حجرتها ... يدخل جمال)
جمال :
حسنى
حسنى :
جمال سيدي؟
جمال :
أنت هنا؟
حسنى :
أنت هنا؟
جمال :
ما تصنعين؟
حسنى :
صنعتي ال
يوم وصنعتي غدا
على البلاط أنحني
أغسله كما ترى
جمال :
يا رب لم خلقت لل
عذاب هذه اليدا؟
حسنى :
لا..لا عذاب سيدي
إني أحب العملا
جمال :
وأين جدتي فإ
ني لا أراها ها هنا
حسنى :
أظنها مضت تصل
ي في الخزانة الضحى
جمال :
لله أو للمال يا
حسنى ترى؟
حسنى :
كما تشا
ما لي وما تعمله؟
لكل عبد ما نوى
جمال (لنفسه وقد رأى كيسا على الدكة) :
ما ذاك تحتي ... كيس؟
بشراي، هذا جراب
أعامر ليت شعري
جرابها أم خراب؟
كيس؟ أجل كيس وحس
ني لا ترى ... لا تسمع (ثم يقبله)
كيس وفيه ذهب
آخذه أم أدع؟ (يتركه مترددا)
لا ... لا ... ألص أنا؟ لا
ليت يدي تنقطع (يتناوله)
لننظر ما حوى الكيس (يفتحه ويعد ما فيه)
جنيهان ... ريالان
وهذا فص ياقوت
وذي سبحة مرجان (يخرج ما في جيبه)
لننظر ما حوى جيبي
أقرشان ونصفان؟
حرام شدة البخل
حرام طول حرماني (يرد نقوده، وينظر إلى الكيس)
فإن مددت نحو كيسها اليدا
سرقت نفسي ما سرقت أحدا
ولا أرى سارق نفسه اعتدى
لا يا جمال ... ما رأى
رأيك في الناس أحد
من قال مال الوالدي
ن مستباح للولد؟
حسنى (وقد نظرت إليه خلسة فرأته، وهو يسرق) :
يا أسفا على جمال ما صنع؟
جاء إلى الكيس مرارا ورجع
حام عليه برهة ثم وقع (لنفسها)
ويح جمال جرؤت
على الحرام راحته
ما كان لصا إنما
جنت عليه جدته
جمال (يدس الكيس في جيبه) :
ولم لا؟ والمال مالي بعدها
وإن تصرفت بمالي وحدها
وديعتي حتى تموت عندها (يخرج مسرعا)
حسنى :
يا ألف ويلي على جمال
انسل كاللص في الظلام
الفقر والبخل صيراه
من ابن بيت إلى «حرامي»
هو لص وسارق
غير أني أحبه
حرمته القليل من
حقه ... أين ذنبه؟
إني بعيني هذه
رأيته مرددا
لما أحس المال ج
ن وأضاع الرشدا
على الضمير والعفا
ف والحجا تعودا
لو ملأت جدته
يديه ما مد اليدا (ثم تسمع ضجة فتقول)
قد رن في الحجرة قبقابها
صلت وعادت من مصلاها
وما درت وهي تصلي الضحى
أن جمالا من ضحاياها (تدخل السيدة نظيفة بدون أن ترى «حسنى») (فتقول حسنى لنفسها)
تسرع نحو كيسها
لم ترني ... فلننتظر
ماذا ترى تفعل؟ هل
تبكي دما أم تنتحر؟
نظيفة (لنفسها) :
كيسي كان ها هنا
من ساعة ... شيء عجب!
من يا ترى طيره؟
كيف اختفى؟ أين ذهب؟
فيه ريالان وفي
ه قطعتان من ذهب
وضعته هنا وغب
ت عنه ... ليت لم أغب
كيسي حبيبي أين أن
ت؟ كيف ألقاك؟ أجب!
كيسي ... يا رب أعد لي كيسي
وخذه لي يا رب من إبليس
وكل لص فاجر خسيس
إن عدت لي فشمعة
للحنفي أو شمعتان
قرش يعود لي به
من القروش مائتان
وشمعة للسيده
توضع في مسجدها
تبيت فيه موقده
بالقرب من مرقدها
لا، أنا في فقر إلى شمعة
سيدتي «زينب» بي عالمه
ولم ير الناس ولم يسمعوا
سيدة تأخذ من خادمه (ثم بعد أن ترى «حسنى»)
نظيفة :
حسنى
حسنى :
مري
نظيفة :
أنت هنا؟
حسنى :
أجل
نظيفة :
تعالي اسمعي
خلي البلاط
حسنى :
ما جرى؟
نظيفة :
دعيه ساعة دعي
حسنى :
ماذا جرى سيدتي؟
نظيفة :
ما لم أكن أنتظر
مصيبة فاجعة
حسنى :
ماذا دهى؟ ما الخبر؟
نظيفة :
كيسي كان ها هنا
طيره المطير
حسنى :
ما كان فيه؟
نظيفة :
ذهب وسبحة وجوهر
حسنى :
وهل ظننت السوء بي سيدتي؟
نظيفة :
أستغفر الله ابنتي أستغفر «حسنى» ابنتي خادمتي تسرقني؟
ذلك ما ليس ببالي يخطر
في ذمة الله كيسي
عوضني الله عنه
واللص لا بد يوما
يقتص لي الله منه
حسنى :
سيدتي مسرفة
سيدتي مضيعه
إن الجراب لم يكن
هذا المكان موضعه
نظيفة :
اذهبي يا ابنتي عرفت غريمي
أنت لا تجهلينه فهو منا
حسنى :
من ترى؟ من؟
نظيفة :
سلي ضميرك عنه
أنت منه ملئت قلبا وذهنا
حسنى :
من؟
نظيفة :
جمال
حسنى :
ماذا تقولين يا مولاتي؟
نظيفة :
الصدق
حسنى :
بل تظنين ظنا
من؟ جمال؟ هذا محال فظني
بي أنا السوء
نظيفة :
أنت؟ حاشاك «حسنى»
حسنى :
إذن من؟ قطة في البي
ت لما لم تجد لحما
مضت بالكيس ظنته
هو الجلد أو العظما؟
نظيفة (مستضحكة) :
امضي اذهبي يا خباث
يا نكبة في الإناث
أوشكت تدخل الضحى ... البسي الفو
طة «حسنى» طيري إلى الكانون
واحذري الطبخ أن يشيط وسدي ال
باب دون الأنوف ... دون العيون
حسنى :
سيدتي ها أنا ذي
ذاهبة لشانيا
انتظريني ساعة
ثم انظري طعاميا (تخرج)
نظيفة (لنفسها) :
قد ذهبت لشأنها
اليوم يوم «الباميا» «حسنى» اذهبي إني لفي شك وإن
أظهرت أني بك جد واثقه
قد سرق الكيس وما من أحد
سواك في البيت فأنت السارقه
ولكني أداريك
فأخفى خبر البئر
وكم سيدة قي
دها الخادم بالسر (جمال يدخل)
من؟
جمال :
جدتي.. هذا أنا
نظيفة :
من؟ ولدي جمال؟
جمال :
ما صنع الزكام يا
جدة؟
نظيفة :
لا يزال
وأنت ما تصنع يا
جمال؟ كيف الحال؟
جمال :
الحال يا جده
زفت وقطران
نظيفة :
كيف؟ انفض الجيب
فيه جنيهان
جمال :
أنا؟ جنيهان؟ ومن أين له؟
جيبي حتى من ريالين خلا
جدة
نظيفة :
روحي.. تكلم
ماذا؟ فداك البنونا
جمال :
أقول لكن عديني
جدة لا تغضبينا
نظيفة :
إلا النقود فإنني
حلفت أمس يمينا
جمال :
إذن امضي كما جئت
إذن لا شيء يا جده
على أني لم أظفر
بشيء منك من مده
نظيفة :
والثلاثون ريالا؟
جمال :
قد مضى شهر عليها
تلك شمتها يد الن
شال فانسلت إليها
نظيفة :
لا حرم الله اللصوص خيركا
ما بالهم لا يسرقون غيركا
لم تلقني وتنصرف بمالي
إلا وعادت قصة النشال
كأن مالي ليس بالحلال
جمال :
لم أقل مالك يا ج
دة سحت أو حرام
فلقد يسرق مال الل
ه والبيت الحرام
نظيفة :
العين يا جمال
جمال :
لا تقولي
فما إلى مالك من سبيل
لعين حاسد ولا فضولي
مالك في اللحاف والمنديل
مالك في القفة والزنبيل
وتحت ماء البئر في برميل
نظيفة :
في البئر؟ إن ذا عجب
ماذا تصوغ من كذب؟ (في اضطراب )
جمال لا تنس الأدب
في البئر يا ابني؟ هذه
ما خطرت ببالي
لم لا تقول المال قد
خبأت في سروالي؟
لكن هبوني قد فعل
ت ما لكم ومالي؟
ألست يا ابني حرة
بصيرة بمالي؟
أصنع ما شئت به
أصنع ما بدا لي
جمال :
هوني جدتي عليك فإني
لم أنازعك هذه الحريه
خبئي المال حيث شئت من المن
زل في السقف أو وراء حنيه
ادفنيه في مطبخ أو كرار
أو لحاف أو شلتة أو حشيه
أو فواريه في قرارة بئر
ذات عمق عن الظنون خفيه
جدتي هذا كثير
ما الثلاثون ريالا؟
هي يا جدة ليست
عند أمثالي مالا
لا يمينا ملأت يو
ما ولا أغنت شمالا
نظيفة :
عند أمثالك؟
جمال :
إي والله
نظيفة :
ما أنتم رجالا
هي تبني ثروة المر
ء إذا كانت حلالا
اسمع جمال
جمال :
سامع يا جدتي
نظيفة :
جدك يا بني كان مفلسا
جمال :
مثلي يا جدة؟
نظيفة :
لا يا ولدي
بل كان أشقى حالة وأتعسا
أسس من شروي نقير ثروة
جمال :
لم تذكري جدة كيف أسسا
ألم يكن سكناه ربعا دارسا؟
ألم يكن طعامه المدمسا؟
ألم يكن على البلاط نومه؟
ألم يحرم نفسه أن تلبسا
نظيفة :
ومن نبأك؟ أو من ذا
رأى جدك عريانا؟
جمال :
هبيهم لم ينبوني
كفاني بك عنوانا
جدتي ما رأيت قط على جس
مك مذ كنت غير هذي الثياب
بدلي ثوبك القديم أهذا
كفن يرتدي ليوم الحساب؟
وعلى الرأس ذلك الشاش و(الأو
ية) ملا تطاول الأحقاب
قد عفا رقعتيهما النشر والط
ى وطول المدى وطول الخضاب
لم ير الناظرون رجليك إلا
كصبي الحمام في القبقاب
نظيفة :
قد توقحت يا جمال
جمال :
دعيني
اتركيني (أفش) جدة ما بي
والدي مات في الشباب من الحر
مان واليوم تقتلين شبابي
نظيفة :
لا تذكرني العزيز جمال
ودع الجرح، لا تحرك مصابي
جمال :
اقتليني كوالدي
نظيفة :
بعد الش
ر بل اسلم وحطني في التراب
إن يا ابني الجراب والمال فيه لك
جمال :
من لي ببعض ما في الجراب؟
ما انتفاعي به؟ كليه ... اشربيه
بعد ما آذن الصبا بذهاب (تغرورق عيناه بالدمع)
اصفحي جدة عما
كان مني واغفري لي
وائذني أيتها الج
دة أمضي لسبيلي
نظيفة :
لقد نسيت يا جما
ل وطويت ما جرى
والآن أدعوك
جمال :
لماذا؟
نظيفة :
للغداء، ما ترى؟
ابق جمال نقتسم
لونا جديدا غاليا
ابق بني كل معي
اليوم عندي «باميا»
جمال : «الباميا» جديدة؟
من قال يا جدتيا؟
نظيفة :
أكلتها؟
جمال :
أجل مرارا
عند أصدقائيا
نظيفة :
في «الباميا» خل الطها
ة وخذ الطواهيا
وطبخ «حسنى» يحفظ الش
باب والعوافيا
اجلس جمال ساعة
وناجني بحاجتك
جمال :
ماذا أقول جدتي؟
نظيفة :
قل ما تشا لجدتك
جمال :
أنا يا جدتي كبرت
ولا أطلب إلا الزواج
نظيفة :
عندي صبية لك
جمال :
الخادم؟ لا، كم قلت لا
نظيفة :
لا تدع «حسنى» خادما
جمال :
ابنة من؟
نظيفة :
بنتي أنا
جمال :
لقيطة ربيتها
أنت، أليس هكذا؟
نظيفة :
تذاكرنا الزواج تعال ننظر
زواجك كم يكلف يا جمال
جمال :
قليلا جدتي
نظيفة :
كم؟
جمال :
نصف ألف
نظيفة :
أعندك ما لنصف الألف بال؟ (لنفسها)
مآتم مصر لا يبقي عليها
ولا يبقي على الأفراح مال (ثم إلى جمال)
اشرح جمال ما يكون المهر
جمال :
عديه ميه
نظيفة :
من الجنيهات؟
جمال :
أجل
ليست ريالات هيه
و«شبكة» تصلح أن
تهدى وأنت المهديه
نظيفة :
وكم تساوي؟
جمال :
مئة؟
نظيفة :
أخرجها من ماليه؟
جمال :
ومئة كراء بي
ت للعروس وليه
نملؤه أمتعة
وحلية وآنيه
ومئة لفرحي
ومئة لجيبيه
نظيفة :
واحيرتي! واضيعتي! «جمال» وا خرابيه
إن أنا زوجتك يا اب
ني بعت ما ورائيه
جمال :
إذن فاعلمي جدتي أنني
خطبت
نظيفة :
وما لي ومن تخطب؟
أحقا خطبت؟
جمال :
أجل جدتي
نظيفة :
ومن تلك؟ ما بيتها؟ ما الأب؟
جمال :
فتاة من «الخط» بنت النقيب
نظيفة :
بلا والد واسمها «زينب»
هنيئا لك البيت بيت العفاف
جمال :
وبيت الغنى، والغنى يطلب
نظيفة :
أأنت تعرفني من تكون
وما مالها؟ إنها تكذب
لأنت أسعد منها
وأنت أكثر مالا
جمال :
أنا؟ انظري ذاك جيبي
هل تبصرين ريالا؟
نظيفة :
بل تلك «حسنى» فتاتي
أتم منها جمالا
وربما صارت على فقرها
أكثر منها في غد مالا
وكيف وجدت المال يا ابني؟
جمال :
اقترضته
نظيفة :
وممن وكم يا ابني وكيف رباه؟
ومن أين تقضي الدين؟
جمال :
يقضيه قادر
على الشيء لا يقضي الديون سواه
نظيفة :
ازعق «جمال» ناد «حسنى» ادعها (ثم تنادي)
يا بنت
جمال :
حسنى
نظيفة :
بنت
حسنى (تدخل) :
مولاتي
نظيفة :
عندي «جمال» يتغدى معي
هاتي حديث «الباميا» هاتي
حسنى :
سوف ترى يا سيدي صنعتي
وسوف تنسى «كفتة الحاتي»
نظيفة :
حسنى بذلت كثيرا
وما رفقت بمالي
أكفتة بيمين
وباميا بشمال
حسنى :
سيدتي لا تغضبي لا لحم في ال
مطبخ لا كفتة لا كبابا
العظم لا غير ملأت «الباميا»
منه ... فطابت نكهة وطابا
نظيفة :
يسلم فوك يا ابنتي (ثم لجمال)
اسمع لها «جمال» كيف تحسن الجوابا
جمال :
جدتي هل فكرت في أمر «حسنى»؟
نظيفة :
كيف؟ ماذا؟
جمال :
كما افتكرت بأمري
زوجيها
نظيفة :
أزوج البنت؟
حسنى :
لا، لا
سيدي، ذاك لم يمر بفكري
أنت يا سيدي «جمال» كثير ال
مزح فاجعل محل مزحك غيري
أنا لا أقبل الزواج بإنسا
ن ولو ساق مال قارون مهري
أنا ما عشت لا أفارق هذا ال
بيت إلا إلى قرارة قبري
نظيفة :
عشت «حسنى» (ثم لجمال)
سمعت كيف أجابت؟
كيف لم تنس حناني وبري؟ (وتهم السيدة نظيفة بالوقوف)
جمال :
أين يا جدة تمضين
نظيفة :
قريبا ... خطوتين
أنا قد خبأت أمس
لك يا ابني موزتين (تمشي وتخرج)
جمال (لحسنى) :
بعدت جدتي تعالي أقبل
ك تعالي حبيبتي قبليني
حسنى :
بعدت فليكن عفافي وديني
حول عرضي لا يبعد الله ديني
إن أكن خادما فنفسي في خد
ر من النبل والعفاف مصون
ابغ يا سيدي سواي لما تد
عو له اليوم من خسيس ودون
جمال :
هيا حسنى لا يذهب الوقت
حسنى :
دعني
وقت مثلي بجانب الكانون
جمال :
قبلة ها هنا على الجيد «حسنى»
أو على الوجنتين أو في الجبين
حسنى :
ما الذي قلت يا جمال؟
جمال :
طلبت الحق
حسنى :
حق المهوس المجنون
لك يا سيدي جمال شئون
فامض فيها وخلني وشئوني
جمال :
إلى أين؟ قفي «حسنى»
حسنى :
إلى الكانون والنار
إلى الشغل الذي ينهى
عن الريبة والعار (وتمشي ... السيدة نظيفة تدخل)
نظيفة :
جمال يا ابني
جمال :
جدتي
نظيفة (لحسنى) :
مالك ترجعينا
الموزتان يا جما
ل صارتا عجينا
جمال :
ألقيهما يا جدتي أل
قي العفن النتينا
نظيفة :
اشربهما يا ابني عسى
أن يورثاك لينا
جمال :
أنا يا جدة لا أق
وى على هذا العلاج
إن في البيت دجاجا
فاطرحيه للدجاج
الفصل الثالث
المنظر الأول «الست نظيفة على فراش في قاعة من منزلها، وحولها «حسنى» وجماعة جئن للسؤال عنها من الجارات».
زائرة (وهي داخلة) :
العوافي أم الأفندي العوافي
حسنى :
اخفضي الصوت.. أمسكي يا خاله
الزائرة :
ما لها؟ ما بها؟ عفا الله عنها
حسنى :
هي من ليلتين في شر حاله
زائرة :
أم الأفندي عوفيت
من قلبها تحبني
ما كان أندى يدها
على الفقير والغني
شفاها الله للبيت
وللجار وللجاره
جرى إحسانها كالسي
ل حتى أغرق الحاره
قد وقعت عيني عليها
مرة في «السيده»
أخرى :
فما رأيت؟
الأولى :
نخوة
وكرما ما أزيده
جاءت وراحت تقرض الل
ه وتعطي مسجده
وكلما مد فقي
ر يده
الثانية :
عضت يده
يا أخت أين المدح العطر؟
وأين جودها الذي كان المطر؟
الأولى (لحسنى) :
انظري خلفك «حسنى»
حسنى :
من؟
الأولى :
هي الشيخة «بنبه» (الشيخة بنبه تتقدم)
بنبه :
كيف حال الهانم اليوم؟
حسنى :
انظري، الحالة صعبه
إحدى الزائرات : «حسنى» اطرحي الغم ولا
تستسلمي إلى الكدر
رأيت رؤيا أمس
أخرى :
ما ذلك
حسنى :
خيرا، ما الخبر؟
الزائرة :
رأيتني فوق طري
ق فيه طين ومطر
مشت به أم جما
ل تنثني وتفتكر
تحمل حمل جمل
أو جملين من حجر
حسنى :
ثم
صاحبة الرؤيا :
إذا فوق الطري
ق ثم شيخ قد ظهر
كأن نور وجهه
تحت العمامة القمر
قد طرح الأحمال عن
ها فجرت على الأثر
حتى لبثت ساعة
عجبت كيف لم تطر
سمعت يا شيخة رؤياي؟
الشيخة :
سمعت العجبا
رؤيا كأنها الفلق
تبارك الذي خلق
أم جمال أعينت
وزال عنها العناء
وذلك الشيخ قطب
على يديه الشفاء
أخرى :
أم جمال بخير
قد ألقي الحمل عنها (يظهر الدكتور مقبلا)
إحدى الزائرات :
ماذا؟ من الداخل؟ من يا ترى؟
أخرى :
هذا هو الدكتور عبد السلام
الأولى :
أبعد هذا ... القطب يؤتى به؟
الثانية :
وأي قطب؟
الأولى :
هل نسيت المنام؟
أخرى :
ماذا تقول؟ تظن هذا القطب
الأولى :
ذاك هو العمى
هذا الطبيب مطربش
والقطب كان معمما
شتان بين القمر ال
منور الملمح
وبين تيس الجبل ال
مفلفل المملح
ما تلك فوق عينه؟
الثانية :
زجاجة مدوره
تقيه ضوء الشمس أو
تمنع عنه الغبره
كأنها غمامة
تحجب عيني بقرة
الأولى :
ولم تغطي بالثيا
ب السود رأسا لقدم؟
كأنما أخرج من
زكيبة من الفحم
الثانية :
سود الثياب بمصر
صارت ثياب الإماره
فلا ترين بياضا
إلا على شيخ حاره
الأولى :
وما بفيه؟
الثانية :
اسألي حسنى
حسنى :
بفيه «توسكنه»
الأولى :
مسكين الدكتور قد
أصبح فوه مدخنه
الدكتور :
العوافي أم الأفندي العوافي
حسنى :
هي في غشية ونوم عميق
الدكتور :
كيف حسنى؟ ما حال أم جمال؟
حسنى :
هي في الكرب خفف الله عنها
الدكتور :
ودوائي؟
حسنى :
لما تعاطته نامت
نومة لم تقم إلى اليوم منها
ما بها يا سيدي؟ ما داؤها؟
الدكتور :
تخمة من أكلة ذات دسم
حسنى :
تخمة؟ لا سيدي الدكتور ... لا
نحن لا نعرف في البيت التخم
الدكتور :
إذن بها ضعف
حسنى :
ومن أين جاء الضعف؟
الدكتور :
من قلة ما تطعم
حسنى :
وما يقوي الضعف؟
الدكتور :
الأكل يا حسنى
حسنى :
وكيف الأكل؟ أين الفم؟
الدكتور :
رحم الله زوجها
إنه كان صاحبي
كان في كل منزل
وطريق بجانبي (ثم ينتقل الدكتور فجأة لمخاطبة إحدى الزائرات) «خضرة» أنت هنا؟
ما تصنعين يا ابنتي؟
خضرة :
في كل ساعة أجي
أسأل عن سيدتي
الدكتور :
و«حسن» زوجك ما
يصنع؟
خضرة :
في البيت انطرح
منذ تناول العلا
ج بالأواني ما سرح
الدكتور :
وما له لم يجئني؟
خضرة :
بأي رجل يجيكا؟
الدكتور (إلى مرجانة) :
ما ذاك يا بيضاء ماذا أرى؟
مرجانة :
تورم الخد من الدمل
الدكتور (يخرج مشرطا من جيبه) :
هاتي أريه ... اصبري ساعة
أفتحه
مرجانة :
لا، يفتح الله لي
أخرى :
دعيه يفعل تستريحي
أخرى :
اقعدي حذار «مرجانة» أن تفعلي (يدخل جمال)
الدكتور :
من ذاك؟ أنت جمال؟
جمال :
من؟ سيدي الدكتور؟
كيف وجدت جدتي؟
الدكتور :
تسير نحو العافيه
جمال :
وكيف هي من ثلاث لم تفق؟
حسنى :
بل إنها من أربع كما ترى
وارحتماه لك يا سيدتي
ولطف الله بنا فيما جرى
جمال :
حسنى أقلي الحزن ... يعفو الله عن
أزيد من هذا ويشفي أكثرا
الدكتور :
دعا.. لا تخافا ولا تحزنا
فما الأمر لليأس بالصائر
وكم فاقد الرشد لا غائب
ورائي تركت ... ولا حاضر
وآخر لا راقد في الفراش
إذا قلبوه ... ولا ساهر
حسنى :
أمرضاك كلهمو هكذا؟
وهل يستفيقون يا سيدي؟
الدكتور :
تقوم عليهم يدي بالشفاء
قيام المسيح على المقعد
حسنى (لجمال) :
وأنت سيدي جمال قوني
علمني العزاء والتصبرا
زائرة : «مرجانة» انظريهما
الأخرى :
يحبها
الأولى :
تحبه
الثانية :
وبيديه قلبها
وفي يديها قلبه «يخرج جمال، وتخرج مرجانة وبعض الزائرات، وتدخل إحدى الجارات تدعى زهرة»
زهرة :
ما حال أم الأفندي؟
حسنى :
سيدتي في العذاب
مضى عليها أربع
في كربة لا تفرج
في النزع لا وعي لها
والسر ليس يخرج
زهرة :
لدي خاطر خطر
حسنى :
ما ذاك؟
أخرى :
ماذا؟ ما الخبر؟
زهرة :
أصغين ... مما جربوه في الأسر
صوت «الفلوس» عند رأس المحتضر
إن كان في دنياه بالبخل اشتهر
يسمعها فينطفي على الأثر
وكلما تأخرت عنه انتظر
حسنى :
إذن قومي أريحيها
إذن من هذه الحاله
زهرة :
وأين الشاش والفضة؟
حسنى :
من مالي يا خاله
زهرة :
مالك أو مال سوا
ك كل مال قد حضر
القصد أن يقرع صو
ت المال سمع المحتضر «حسنى» اسمعي لي أصغي
هاتي ملاءة فرش
والآن فليلق كل
منكن فيها بقرش (ثم لحسنى) «حسنى» خذي من طرف (ثم الأخرى)
وأنت من ذاك الطرف (للجميع)
وأنا أبقى ها هنا (لصبي موجود)
وأنت قم خذ لا تخف
والآن فلنقم إلى الفراش
ومثل صنعي فاصنعوا بالشاش (يدخل جمال)
جمال :
ما الحال حسنى؟ وكيف أمست؟
حسنى :
في النزع والكرب لا تزال «يذهبون بالشاش حتى يقتربوا من فراش المحتضرة، وهم ممسكون بجهاته الأربع، فتخرج الأولى نقودا وتلقيها في الشاش، فيعمل الباقون مثلها ويتقدم «جمال» فجأة ويخرج من جيوبه نقودا، ويقول»
جمال :
وأنا أيضا أشترك
هاك خذي ما أمتلك
وضعت كل فضتي
كي تستريح جدتي «يلقي بالنقود» «الأربعة يهزون الشاش بالنقود بينهم، وتقول الأولى مخاطبة المحتضرة»
الأولى :
امضي ولا تفكري في المال
وانسي حديث القرش والريال
أنت وما ملكت للزوال
هزوا معي ... هزوا معي
يا أيها الروح اطلعي
إلى النعيم الأوسع
وديعة الله اذهبي
امضي ولا تعذبي
لله عودي والنبي
إحدى السيدات (بعد وفاة الجدة) :
قد انقضى الأمر
قد خرج السر «حسنى لك الأجر»
حسنى (لجمال) :
الصبر ... واخرج سيدي جمال
لمثل ذا لا يصلح الرجال
المنظر الثاني «في منزل المرحومة الست نظيفة. تظهر «حسنى» في ثوب أسود».
حسنى (لنفسها) :
عيني أحق أنني في منزلي؟
لا، كان لي فوهبته لجمال
غاليت في شغف الفؤاد بحبه
حتى وهبت له الثمين الغالي
أعطيته ما كان أصبح في يدي
من مال جدته فليس بمالي
لم يرض قلبي أن أعيش سعيدة
ويعيش في بؤس ورقة حال
أتراه يقدر خدمتي ومحبتي
أو لا يمر له الصنيع ببال؟
رحمة الله على سيدتي
وسقى الله ثراها وجزاها
حرمتني الشاش حتى ذهبت
فكستني الخز في الموت يداها
وحمتني الماء حتى احتجبت
فسقيت الشهد من فيض نداها
صار لي من بعدها منزلها
والدكاكين وآلت ضيعتاها
ثروة قد نهض الجوع بها
ومشى الحرمان فيها فبناها
وهبت لي كل ما قد ملكت
لم تدع من ذاك شيئا لفتاها (بعد لحظة)
لا ... ذاك مال جمال
تركته لجمال
وعدت ما كنت من قب
ل، فوطتي هي مالي
أجل أنا الخادم والطاهيه
وما أنا السارقة الباغيه
ولا على الناس طفيلية
أجعل أموالهمو ماليه
سمعت حديث البخل حتى صحبته
زمانا أراه كل حين وأسمع
يروح ويغدو بين عيني صورة
ويأتي حيالي بالحياة ويرجع
سيدتي وبخلها
في «الخط» سارا كالمثل
وانتقلت وذكرها
بالبخل فيه ما انتقل
يرحمها الله فما
أنسى لها تلك الجمل
في غضب عند الحوا
ر واضطراب و«زعل»
وما اختلفنا مرة
في حمل ولا جمل
لكن لأجل الثوم كا
ن الخلف، أو حول البصل
ولم نكن من الدقي
ق ننتهي ولا العسل
يرحمها الله وإن
لم تأت يوما بحسن
عاشت بثوب واحد
كالميت عاش بكفن
أما أنا ... فالشاش أو
ما دون ذاك في الثمن
وبذلتي وفوطتي
طال عليهما الزمن
وأجرتي عشرون قر
شا مع كثرة المهن
البئر لا أبرحها
خارجة وداخله
صاعدة كالدلو ك
ل ساعة ونازله
طباخة أصنع من
لا شيء شيئا نأكله
وأنحني على البلا
ط كل حين أغسله
وكل دكان عل
ي أجرها أحصله (تدخل زهرة)
زهرة :
العوافي يا ابنتي
حسنى :
من جاءنا؟
خالتي زهرة؟ أهلا مرحبا
ادخلي
زهرة (لنفسها في حسد وحقد) :
يا لك من طباخة
نثر الحظ عليها الذهبا (ثم لحسنى)
يا هناك المال حسنى
حسنى :
مال من؟
زهرة (لنفسها) :
هي تخفي
حسنى :
بلغوك الكذبا
زهرة :
عجبا ... أنت إذن لم ترثي
مال مولاتك؟
حسنى :
لا. لا. عجبا
أنا يا خالة لست لصة
لعن الله الغنى المغتصبا
زهرة :
إن للجيران «حسنى»
ألسنا تهذي طوالا
حسنى :
ما الذي قالوه؟
زهرة :
قالوا
أنت جردت جمالا
حسنى :
كذبوا والله لم أل
مس له باليد مالا (تخرج «زهرة» وتتبعها «حسنى» ويدخل «جمال». تدخل «حسنى» فترى جمالا)
حسنى :
من ها هنا؟ أهو جمال سيدي؟
جمال :
أجل، أنا الغريب في بيت أبي
أنا الذي قد سلبوه ماله
لم يبق من مالي ما لم أسلب
قد ضربتني في الحياة جدتي
وفي الممات
حسنى :
ألف لا، لم تضرب
اجلس. تفضل. استرح
هون عليك سيدي
جمال :
لم يبق من مالك يا
جدة شيء في يدي
ضيعت أمسي ثم لم
يكف فضيعت غدي
حسنى
حسنى :
جمال
جمال :
افترقنا
حسنى :
كيف؟ لا أبدا
جمال :
تغير الأمر من حال إلى حال
أنت الغنية «حسنى» والفقير أنا
المال مالك منذ اليوم لا مالي
حسنى :
المال يا جمال؟ الفقر؟ الغنى؟
ماذا تقول سيدي؟ ماذا جرى؟
جمال :
أليس حرماني لونا متقنا
طبخته أنت وجدتي معا؟ «حسنى» دعي الخبث ولا تجاهلي
حسنى :
أتعلم الخبث علي والريا؟
حرمت مم؟
جمال :
من تراث جدتي
حسنى :
إذن من الوارث
جمال :
أنت لا أنا
حسنى :
أنا أراك سيدي تهزأ بي
كفى جمال سخرا مني كفى
أقسم هذا الأمر لم أعمل له
وإنني آخر من درى به
جمال :
أما رأيت كاتبا معمما
وشاهدين يعملون ها هنا؟
وشيخة تملي عليهم سخفها
تحرم ذا قربى وتعطي أجنبا
كعين ربوة تخطى خيرها
إلى الوهاد مستحقات الربى
حسنى :
جمال سيدي تعال نحتكم
إلى الحقوق والصواب والنهى
هب ما تقول يا جمال قد جرى
جمال :
لقد جرى
حسنى :
هات الكتاب فامح ما
تشاء، واثبت ما تشا
بدل وغير في كتا
ب وقفها كما ترى
أنت غناي إن غضب
ت ما انتفاعي بالغنى؟
أمضي فأبغي سيدا أو أبتغي
سيدة أطهو لها
جمال :
ماذا أرى؟ تبكين حسنى؟ مم؟
حسنى :
لا
جمال :
كفي ابنتي كفي بكا
حسنى :
خذ مالها وخلني أعش
كما كنت أعيش أولا
جمال :
بحياتي قولي الحقيقة حسنى
أتحبينني؟
حسنى :
أجل، ملء قلبي
جمال :
مثل حبي؟
حسنى :
جمال أحببتني اليوم؟
جمال :
قديم وحق عينيك حبي
كنت أهواك طفلة تملئين ال
بيت والحوش من صياح ووثب
كنت أهواك طفلة
في الكوانين نافخه
كنت أهواك خادما
كنت أهواك طابخه (ثم يمسك يدها ويقول)
كم اشتهيتها يدا
ما فرغت من العمل
كنت أراها كيد ال
ملكة أهلا للقبل
وأشتهي رائحة الث
وم عليها والبصل
حسنى :
سيدي أنت خطبت؟
جمال :
لا
حسنى :
نعم
بل خطبت امرأة ذات يسار
وأبوها كابر ذو لقب
وله زرع وضرع وعقار
جمال :
وما تريدين «حسنى»؟
أ أنفض اليد منها؟
الله رب جمال
يغنيه عنك وعنها (امرأة تريد الصعود)
المرأة :
أ أحد في المنزل؟
جمال (من أعلى) :
من هذه؟
المرأة :
أم «علي»
أنت هنا يا سيدي؟
جمال :
أجل، تفضلي ادخلي
أم علي (تصعد) :
دستوركم
جمال :
تفضلي
لا أحد في المنزل
حسنى (لجمال) :
من تلك من؟
جمال :
امرأة
من بيت أصهاري الجدد
صديقة قديمة
في كل أمر تجتهد
حسنى :
ماذا تريد يا ترى؟
جمال :
الآن نعلم الخبر
أما أنا فليس لي
في بنت إنسان وطر
حسنى :
كرهت سيدي الغنى؟
جمال :
أجل
حسنى :
وهكذا أنا (ثم وهي خارجة)
لا يأخذ الإنسان من
دنياه إلا الكفنا (تدخل أم علي)
جمال :
يا مرحبا أم علي
ماذا حملت من خبر؟
أم علي :
كنت رسول الصفو وال
يوم أتيت بالكدر
جمال :
ماذا؟
أم علي :
أصخ يا سيدي
أم العروس جنت
جمال :
كيف؟ ولم أم علي؟
أم علي :
تريد فسخ الخطبة
جمال :
كذا أنا
أم علي :
وأنت أيضا؟
جمال :
تلك كانت نيتي
قد سمعت لا شك أن
ي قد خسرت ثروتي؟
قد علمت بأنني
قد حرمتني جدتي؟
أم علي :
أجل
جمال :
فقالت مفلس
ليس يليق لابنتي
أم علي :
وهذه «الشبكة» يا سيدي
انظر. تأمل. خاتم لا يعاب
وهذه قيمة ما جاءنا
من «سبت» النقل وغالي الثياب
خمسون خذها. عد. من عادتي
جمال (يأخذها) :
أن تغلطي يا خالتي في الحساب (ثم ينتهي من العد)
أم علي :
هي خمسون سيدي
جمال :
هذه خمسة لك
اذهبي. لست ناسيا
أبد الدهر فضلك (تخرج أم علي ثم تدخل حسنى)
جمال (بعد أن يراها) :
رباه ... ما ذاك؟ تلك حسنى؟
من أين حسنى؟
حسنى :
من الستاره
سمعت ما قالت العجوز
ولم تفتني لها عباره
خذ سيدي
جمال :
ما ذلكا؟
حسنى :
ذلك وقف أسرتك (تناوله ورقة)
كانت شروط الوقف لي
فاستعملت لخدمتك
وما ظننت ثروتي
ما كان غير ثروتك
ذاك اتفاق قد جرى
بيني وبين جدتك
ما أرصدت لجهتي
حولته لجهتك
جمال :
جدتي في مماتها
برة بي ومحسنه
فعلت في فعلة
نبهتني من السنه
ساء في المال مذهبي
فرأت أن تحسنه
وأنت «حسنى» أتحبينني؟
حسنى :
أ أنت في ذلك ترتاب؟
قد كنت دنيا مغلقا بابها
دوني ... فكيف انفتح الباب؟
جمال :
الآن «حسنى» أقبلي
نجر حديث ما مضى
كيف وجدت جدتي؟
وما مكاني عندها؟
حسنى :
تحبك الحب الذي
كانت تحبه ابنها
وتكتسي إن غبت عن
ها أو بعدت الولها
تكاد لا تسمع إن
غبت ... تكاد لا ترى
جمال :
فما لها كانت تذي
قني الجفاء؟ ما لها؟
فلو سألتها العمى
ضنت علي بالعمى
حسنى :
سيدتي بخيلة
جمال :
أعلم يا حسنى بذا
وهي إذا قيست إلى
جدي، كالغيث ندى
علمها جدي ... وكا
ن أجمد الناس يدا
حسنى :
وأنا أيضا سيدي
أصبت بالبخل أنا!
جمال :
حنانيك، ماذا قلت «حسنى» أخفتني
أقدر ربي أن يطول عذابي؟
أأعداك حسنى بخل جدي. إنني
إذن من مصاب صائر لمصاب
حسنى :
لا تخش بخلي سيدي ... لست من
تبخل في حق ولا واجب
جمال :
ويحي! أرميك بالبخ
ل؟ قبح الله ظني
وقد رأيت بعيني
وقد سمعت بأذني
فأنت أرجعت مالي
وكان قد ضاع مني
فما سوى الله «حسنى»
يقدر يجزيك عني
ستجمعنا الدنيا غدا ... كيف يا ترى
يكون طعامي أو يكون شرابي؟
حسنى :
سنشرب الماء في أوان
غالية حلوة نضيده
وبيرة كل ظهر يوم
وتوضع في الثلج والبروده
جمال :
والأكل؟
حسنى :
ما شئت من شواء
ومن دفين ومن عصيده
جمال :
نسيت «حسنى» ما ليس ينسى
حسنى :
ما ذلك؟
جمال : «البامية» الجديده
هذه «الشبكة» التي
أرجعتها المغفله
خاتم قد وضعته
في البنان المقبله (يلبسها الخاتم ويقبل يدها)
حسنى :
والمهر؟
جمال (يشير إلى النقود المردودة) :
تلك هي لك
أعطى جمال ما ملك
ما المال مهرا للملك
حسنى :
ومهرك سيدي؟
جمال :
مهري؟ ترانا
تزوجنا على دين النصارى؟
دعي حسنى المزاح
حسنى :
أقول جدا
ولم تأبى؟ أتحسب ذاك عارا؟
وكم من مسلمات سقن مهرا
وإن دعي الأباعد والعقارا
جمال :
إذن هاتي اذكري مهري
وسميه على قدري
فقد تعطينني قرشا
وقرشين ... وما أدري
حسنى :
بل الدنيا وما فيها
وما جل عن الحصر
جمال انزل إلى البئر
تجد مهرك في القعر
جمال :
مهري في البئر؟
حسنى :
أجل
جمال :
كيف هوى؟ كيف نزل؟
أنزلها؟ هذا خبل!
حسنى :
ننزل إن شئت معا
لكي أريك الموضعا
هناك تبصر العجب
جمال :
ما ذاك؟
حسنى :
صندوق خشب
ممتلئ من الذهب
جمال :
هناك الذهب الحلو
إذن طيري بنا طيري
قبلت المهر يا حسنى
إلى البير إلى البير
Unknown page