Bakaiyyat
بكائيات: ست دمعات على نفس عربية
Genres
يقطع ذكرياتي صوت ينبهني إلى بداية المقبرة: هاه! هل امتلأت الكأس؟
أقول ضاحكا وأنا أنفض رأسي: ودائما تفرغ!
تسبقني للدخول وتقول وهي تضحك: غدا تمتلئ بخمر جديدة. من يدري ماذا ينتظرك هناك؟
نمشي على الدرب المؤدي إلى الكنيسة الأثرية الصغيرة. تبين لي أسماء الأشجار التي نمر عليها كأنها زرعتها بنفسها. باقات الورد على القبور ندية لا تزال. تحس دهشتي وتقول: كان أمس هو الأحد.
أسألها: هل هناك من لا يزال يذكرهم؟ ألهم أبناء هنا في المدينة؟ تقول: إنها مغلقة منذ ثمانين سنة. ولكنها أصبحت متحفا. هذا هو طبع الناس هنا. شيء مهين ومزعج كما ترى. معظم الأسر انقرضت، بعضها ما يزال له أحفاد. ولكن أهل المدينة يعتبرونهم كأهلهم، يزورونهم كل أحد ويضعون هذه الزهور. - والعشاق أيضا.
ضحكت في خجل: ولا يطيب لهم العناق إلا هنا. خصوصا قرب حبيبتك!
أضحك أنا أيضا: إذا تعالي نجرب حظنا!
نحن يا صاحبي أتينا متأخرين. دائما متأخرين.
نزور الكنيسة التي زرتها أكثر من مرة نقف عند رسوم الحائط وتشرح ما سبق أن شرحته بالتفصيل. تحيط عيناها بالنقوش وشموع المذبح والجدران النشعة بالرطوبة والسقف المزين بصور الملائكة والقديسين كأنها تعانق أشياء في مسكنها الخاص. تتمتم شفتاها بالأدعية وتصنع علامة الصليب ونخرج. نمضي إلى العذراء صاحبة الكتاب. تقف أمامها خاشعة كأنها تراها لأول مرة. أتلمس معها الشاهد والنقش وأمر بأصابعي على حنيات الرداء والوجه المستطيل الحزين والعينين المغمضتين في الحلم الطويل. تتراجع للوراء، وتجلس على مقعد تمسح التراب بمنديلها عنه. تتأمل وجهي وأنا أتجه نحوها وأجلس بجانبها. تعرف أنني سأغرق في السؤال عن حقائق التاريخ أو سأتمادى في التفلسف عن الحياة والموت والاستشهاد بالعبارات المحفوظة. تتأمل النائمة قليلا، ثم تقول: ما رأيك أن تتزوجها؟
أضحك وأقول: هو الحل الوحيد!
Unknown page