Al-Baḥr al-Madīd fī Tafsīr al-Qurʾān al-Majīd
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
Editor
أحمد عبد الله القرشي رسلان
Publisher
الدكتور حسن عباس زكي
Edition
١٤١٩ هـ
Publisher Location
القاهرة
Genres
Tafsīr
ثم ذكر الحق تعالى نعمة الواسطة، فقال:
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٥١ الى ١٥٢]
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢)
قلت: (كما) متعلق بأتم، أي: ولأتم نعمتي عليكم في شأن القبلة كما أتممتها عليكم بإرسال الرسول. أو باذكروني، أي: كما ذكرناكم بالإرسال، فاذكروني بالمقال والحال. وقدم هنا التزكية على التعليم، باعتبار القصد لأن القصد من الإرسال والتعليم هو التطهير، وأخره في دعوة إبراهيم باعتبار الفعل، لأن الإرسال والتعليم مقدم على التطهير، وأعاد العامل في قوله: وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ إيذانًا بأنه جنس آخر شرفًا له.
يقول الحق ﷻ: يا عبادي اذكروا برّي وإحساني فقد أتممت عليكم نعمى وآلائي بإسعافكم في تحويل القبلة، كما أتممتها عليكم بأعظم النعم وأجلها، وهو إرسال من يعلمكم رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا الموصلة إلى حضرتنا، ويطهركم من المساوئ والعيوب، وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ المشتمل على علم الغيوب ودواء القلوب، ويعلمكم الْحِكْمَةَ وهي الشريعة المطهرة والسنّة النبوية، وَيُعَلِّمُكُمُ علومًا غيبية لم يكن لكم بها علم ولا معرفة، فَاذْكُرُونِي بالطاعة والإحسان أَذْكُرْكُمْ بالثواب ونعيم الجنان. قال ﷺ: «مَن أطَاعَ الله فقدْ ذكَرَ الله، وإنْ قَلَّتْ صَلاتُه وصيَامُهُ وتِلاوتُه القرآن. ومَنْ عَصيَ اللهَ فَقَدْ نَسِيَ الله، وإنْ كَثُرتْ صَلاتُهُ وصَيَامُهُ وتِلاوَتُه» .
أو فاذكروني بالجَنَانِ أذكركم بنعمة الشهود والعيان، أو فاذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الحجب، أو فاذكروني بالتوحيد والإيمان أذكركم بالدرجات في الجنان. قال الصّديق ﵁: (كفَى بالتوحيدِ عبَادةً، وكَفَى بالجنةِ ثَوابًا) . أو فاذكروني بالشكر أذكركم بالزيادة، أو فاذكروني على ظهر الأرض أذكركم في بطنها. قال الأصمعي:
(رأيت أعرابيًّا واقفًا يوم عرفة بعرفات، وهو يقول: إلهي عَجَّتْ لكَ الأصْواتُ بضُروب اللغات يسألونك الحَاجَات، وحاجَتي إليكَ أنْ تَذْكُرني عندَ البلاَءِ إذا نَسِيَني أهلُ الدنيا) .
أو: فاذكروني في الدنيا أذكركم في العقبى، أو: فاذكروني بالطاعات أذكركم بالمعافاة، يعني يحييه حياة طيبة. أو: فاذكروني في الخلاء والملأ أذكركم في أفضل الملأ، دليله الحديث: «أنا عِندَ ظنِّ عبدي بي فليُظنَّ بي
1 / 183