208
الْمُقَرَّبِينَ
في جنة عدن وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا أي في حال صغره، وهو طفل في حجر أمه طفلًا وكهلًا، يعني إذا اجتمع عقله وكبر، فإن قيل: ما معنى قوله كهلًا؟ والكلام من الكهل لا يكون عجبًا. قيل له: المراد منه كلام الحكمة والعبرة. ويقال: كهلًا بعد نزوله من السماء، وهو قول الكلبي وَمِنَ الصَّالِحِينَ مع آبائه في الجنة قالَتْ مريم رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ يعني من أين يكون لي ولد وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وهو كناية عن الجماع ف قالَ جبريل كَذلِكِ يعني هكذا كما قلت إنه لم يمسسك بشر ولكن اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى أَمْرًا يعني إذا أراد أن يخلق خلقا فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فنفخ جبريل في جيبها، يعني في نفسها قال بعضهم: وقع نفخ جبريل في رحمها، فعلقت بذلك. وقال بعضهم: لا يجوز أن يكون الخلق من نفخ جبريل، لأنه يصير الولد بعضه من الملائكة، وبعضه من الإنس، ولكن سبب ذلك إن الله تعالى لما خلق آدم- ﵇ وأخذ الميثاق من ذريته، فجعل بعضهم في أصلاب الآباء، وبعضهم في أرحام الأمهات، فإذا اجتمع الماءان صار ولدًا، وإن الله تعالى جعل المَاءَيْن جميعًا في مريم، بعضه في رحمها، وبعضه في صلبها، فنفخ فيها جبريل لتهيج شهوتها، لأن المرأة ما لم تهج شهوتها، لا تحبل، فلما هاجت شهوتها بنفخة جبريل، وقع الماء الذي كان في صلبها في رحمها، فاختلط الماءان فعلقت بذلك، فذلك قوله: إِذا قَضى أَمْرًا، يعني إذا أراد أن يخلق خلقًا سبحانه، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ بغير أب، ثم قال تعالى: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ قرأ نافع وعاصم وَيُعَلِّمُهُ بالياء يعني أن الله يعلمه، وقرأ الباقون بالنون، ومعناه أن الله يقول ونعلمه الْكِتابَ يعني كتب الأنبياء. وهذا قول الكلبي.
وقال مقاتل: يعني الخط والكتابة، فعلّمه الله بالوحي والإلهام وَالْحِكْمَةَ يعني الفقه وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يعني يحفظ التوراة عن ظهر قلبه. وقال بعضهم: وهو عالم بالتوراة.
وقال بعضهم: ألهمه الله بعد ما كبر حتى تعلم في مدة يسيرة.
ثم قال: وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ نصب رسولًا لمعنيين: أحدهما يجعله رسولًا إلى بني إسرائيل، والثاني ويكلم الناس ورسولًا. أي في حال رسالته إلى بني إسرائيل دليله أنه قال: أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وذكر الزجاج- فالمعنى والله أعلم- ويكلمهم رسولًا بأني قد جئتكم بآية من ربكم. ثم أخبر عن أداء رسالته بعد ما أوحى إليه في حال الكبر، حيث قال لقومه: أنى قد جئتكم بآية من ربكم، يعني علامة لنبوتي، ثم بيّن العلامة فقال: أَنِّي أَخْلُقُ أي أقدر لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ويقال: إن الناس سألوه عنه على وجه التعنت فقالوا له: اخلق لنا خفَّاشًا، واجعل فيه روحًا إن كنت صادقًا في مقالتك، فأخذ طينًا، وجعل منه خفاشًا، ونفخ فيه، فإذا هو يطير بين السماء والأرض، فكأن تسوية الطين، والنفخ من عيسى- ﵇ والخلق من الله- ﷿ كما أن النفخ من جبريل- ﵇ والخلق من الله- ﷿ ويقال: إنما طلبوا منه خلق خفاش، لأنه

1 / 214