Bahr Culum
بحر العلوم
في سياق الآية: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وقال بعضهم: هو حلال ولا يسعه تركه، لأنه قال في آية أخرى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام: ١١٩]، فلما استثني منه ثبت أنه حلال. وروي عن مسروق أنه قال: من اضطر إلى ميتة فلم يأكل حتى مات، دخل النار.
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٧٤ الى ١٧٦]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، نزلت في رؤساء اليهود كانوا يرجون أن يكون النبي- ﵇ منهم، فلما كان من غيرهم خشوا بأن تذهب منافعهم من السفلة، فعمدوا إلى صفة النبي ﷺ فغيّروها. ويقال: غيروا تأويلها فنزلت هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، يعني في التوراة بكتمان صفة النبيّ ﷺ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، يعني يختارون به عرضًا يسيرًا من منافع الدنيا. أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ، يعني يأكلون الحرام. وإنما سمي الحرام نارًا، لأنه يستوجب به النار، كما قال في آية أخرى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْمًا إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نارًا [النساء: ١٠] .
وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أي لا يكلمهم بكلام الخير، لأنه يكلمهم بكلام العذاب حيث قال تعالى: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون: ١٠٨]، وَلا يُزَكِّيهِمْ، أي ولا يطهرهم من الأعمال الخبيثة السيئة. وقال الزجاج: ولا يزكيهم أي لا يثني عليهم خيرًا، ومن لا يثني عليه فهو معذب وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أي وجيع يعني الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، وكذلك كل من كان عنده علم فاحتاج الناس إلى ذلك فكتمه، فهو من أهل هذه الآية. وهذا كما روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا، أَلْجَمَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» .
ثم قال: أُولئِكَ الَّذِينَ، يعني رؤساء اليهود الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى، يعني اختاروا الكفر على الإيمان وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ، يعني اختاروا النار على الجنة فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، يقول: فما الذي أجرأهم على فعل أهل النار؟ ويقال: معناه فما أبقاهم
1 / 115